الأمانة -يا عباد الله- هي التكاليفُ الشرعية، هي حقوقُ الله وحقوق العباد؛ فمن أدَّاها فله الثواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب؛ فقد روى أحمد والبيهقي وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: " الصلاةُ أمانة، والوضوءُ أمانة، والوزن أمانةٌ، والكيل أمانة " وأشياء عدّدها، " وأشدُّ ذلك الودائع "، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: " والغسل من الجنابة أمانة ". فمن اتَّصفَ بكمَال الأمانة فقد استكمَل الدينَ، ومن فقد صفةَ الأمانة فقد نبذ الدينَ، كما روى الطبراني من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له "، وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني من حديث أنَس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له "، ولهذا كانت الأمانة صفةَ المرسلين والمقرَّبين وعباد الله الصالحين، قال -تعالى- عن نوح وهود وصالحٍ وغيرهم -عليهم الصلاة والسلام-: ( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الشعراء:107، 108].
انا عرضنا الامانة سورة الاحزاب
[١١]
عدم قتل النساء والصبيان حيث وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً في بَعْضِ تِلكَ المَغَازِي، (فَنَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ). [١٢]
ما يقوم به من يخلف الغازي في أهله لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (... وما مِن رَجُلٍ مِنَ القاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ المُجاهِدِينَ في أهْلِهِ فَيَخُونُهُ فيهم، إلَّا وُقِفَ له يَومَ القِيامَةِ، فَيَأْخُذُ مِن عَمَلِهِ ما شاءَ، فَما ظَنُّكُمْ؟). [١٣]
الأمانة في النصيحة وكتم الأسرار
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ. انا عرضنا الامانة سورة الاحزاب. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ) ، [١٤] ويُعدَّ تقديم النصح للآخرين من الأمانة، فلا يطلب النصيحة إلّا من يحتاجها ليصلح حاله بها، وقد يطلب النصيحة لأمرٍ خاصٍّ لا يرغب في أن يعرفه أحد، فعلى الناصح أن يحفظ أمانته ولا ينشر سِرَّه أبداً. [١٥] قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا حدَّث رجلٌ رجلًا بِحَديثٍ ثمَّ التفَتَ؛ فهوَ أمانةٌ)، [١٦] وقال -صلى الله عليه وسلم-: (المستشارُ مؤتمنٌ) ، [١٧] فعلى من يُعطي النصيحة أن يكون أميناً بها، فيعطي النصيحة بما يناسب حالُ طالبها، ولا ينصحه بما يضرُّه.
انا عرضنا الامانه على السموات والارض
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيقول الله -تعالى-: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الأحزاب:72، 73]. إن حِملاً ثقيلاً وواجبًا كبيرا وأمرًا خطيرا عُرِض على الكون سمائه وأرضه وجباله، فوجلت من حمله، وأبت من القيام به؛ خوفاً من عذاب الله -تعالى-، وعُرضت هذه الأمانة على آدم -عليه السلام-، فحمَلها واستقلّ بها؛ ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أي: الإنسان المفرّط المضيّع للأمانة هو الظلومُ الجهول؛ لا آدم -عليه السلام-. أنواع الأمانة - موضوع. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: " الأمانة الفرائضُ، عرضها الله على السمواتِ والأرض والجبال، إن أدَّوْها أثابهم، وإن ضيّعوها عذبهم، فكرِهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية لله، ولكن تعظيماً لدين الله -تعالى- ". وقال الحسن البصري -رحمه الله-: " عرضها على السَّبع الطباق الطرائق التي زُيِّنت بالنجوم وحملةِ العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرَضها على الأرضين السبع الشداد التي شُدّت بالأوتاد وذُلِّلت بالمِهاد، قال: فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عوقبتِ، قالت: لا، ثمَّ عرضها على الجبال فأبت ".
الأمانة - الشيخ محمد متولي الشعراوي - YouTube