وقوله: {حَكِيمًا} قال ابن عباس: يريد فيما حكم ووعظ وقال الكلبي: يريد فيما حكم على الزوج من إمساكها بمعروف أو تسريح بإحسان. فصل: من لطائف القشيري في الآية:|نداء الإيمان. قال القرطبي: قوله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مِّن سَعَتِهِ} أي وإن لم يصطلحا بل تفرّقا فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، وللمرأة من يوسِّع عليها. وروي عن جعفر بن محمد أن رجلًا شكا إليه الفقر، فأمره بالنكاح، فذهب الرجل وتزوّج؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر، فأمره بالطلاق؛ فسئل عن هذه الآية فقال: أمرته بالنكاح لعله من أهل هذه الآية: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} [النور: 32] فلما لم يكن من أهل تلك الآية أمرته بالطلاق فقلت: فلعله من أهل هذه الآية {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مِّن سَعَتِهِ}. قال الألوسي: {وَإِن يَتَفَرَّقَا} أي المرأة وبعلها، وقرئ {يتفارقا} أي وإن لم يصطلحا ولم يقع بينهما وفاق بوجه مّا من الصلح وغيره ووقعت بينهما الفرقة بطلاق {يُغْنِ الله كُلًا} منهما أي يجعله مستغنيًا عن آخر ويكفه ما أهمه، وقيل: يغني الزوج بامرأة أخرى والمرأة بزوج الآخر {مّن سَعَتِهِ} أي من غناه وقدرته، وفي ذلك تسلية لكل من الزوجين بعد الطلاق، وقيل: زجر لهما عن المفارقة، وكيفما كان فهو مقيد بمشيئة الله تعالى: {وَكَانَ الله واسعا} أي غنيًا وكافيًا للخلق، أو مقتدرًا أو عالمًا {حَكِيمًا} متقنًا في أفعاله وأحكامه.
تفسير سورة النساء: قوله تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته
هنا يكمن العلاج الرباني بأفضل ما يمكن لأنه من لدن من خلق النفس ويعلم ما يصلحها فهو يبدأ عند مجرد الخوف من حدوثه قبل أن يستفحل ويستعصي فيكون علاجا أقرب إلى الوقاية. أما إن حدث من جانب الزوج فالحل الأول الصلح بأن يتنازل كل طرف عن بعض ما يطلبه من الطرف الآخر أو ما يتوهمه حقا له وذلك عن طريق الأهل أو من يقضي بينهما، فالصلح خير من الخصومة ومن سوء العشرة ومن الفرقة، فيحثوا الزوجين بالأسلوب الذي يفيد ويؤثر. والله عليم خبير بما يعمل الزوج من الإحسان أو النشوز فيجازي العامل بعمله، وهو سبحانه وتعالي لا يكلف نفسا إلا وسعها، فالعدل المطلق مستحيل وخارج عن قدرة المكلف فهو مطالب بما يستطيعه، فلا الميل الجائر الشديد الذي يجعل الزوجة كالمعلقة لا هي متزوجة تأنس بزوجها ولا هي مطلقة، ويوجه الله الحكمين إلى انتهاج طريق الإصلاح لما مضي واتقاء الإساءة فيما يستقبل، وحث الحكمين على الإصلاح وتقوى الله ونظير ذلك المغفرة والرحمة للجميع. - تفسير قوله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ). أما الحل الثاني إذا تعذر الصلح واستنفدت كل الطرق واستحالت العشرة بمعروف فهو الفراق، فلا معنى للحياة الزوجية مع الكراهية والتعالي والنفور وهضم الحقوق والمعاندة والإصرار على مزايا متوهمة، لأن ذلك ينافي مقصود الزواج الذي هو السكن والمودة والسعادة، وهنا يكون الفراق علاجا لا بد منه، وقد تعهد من بيده كل شيء بأن يغني كل طرف من سعته وقدرته، إما ببدل عن صاحبه أو سلو عنه، وهو سبحانه واسع القدرة والعلم، حكيم يضع كل أمر في موضعه.
فصل: من لطائف القشيري في الآية:|نداء الإيمان
الكتاب: المواهب الربانية من الآيات القرآنية (ص 31) للشيـخ: عبد الرحمن السعـدي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مرفق
بارك الله فيكِ
- تفسير قوله تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ)
ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة". قال الدارقطني في "الغرائب": هو غريب، وكل رواته ثقات، وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: "ووقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق" الحديث. قال ابن خزيمة: إن صحت هذه اللفظة أغنت عن غيرها من الروايات، لكن تفرد بها محمد بن يزيد. قال ابن حجر في التلخيص: محمد بن يزيد هو الواسطي وهو صدوق، وروى هذا الحديث ابن عساكر، وصحح البيهقي وقفه على ابن عمر، وقال الحاكم أيضا: إن رفعه غلط، بل قال البيهقي: روي هذا الحديث عن عمر، وعلي، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، ولا يصح فيه شيء. تفسير سورة النساء: قوله تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلًا من سعته. ولكن قد علمت أن الإسناد الذي رواه ابن خزيمة به في صحيحه ليس فيه مما يوجب تضعيفه إلا محمد بن يزيد، وقد علمت أنه صدوق. ومما يدل على أن الحمرة الشفق ما رواه البيهقي في سننه عن النعمان بن بشير، قال: أنا أعلم الناس بوقت صلاة العشاء "كان - صلى الله عليه وسلم - يصليها لسقوط القمر لثالثة" لما حققه غير واحد من أن البياض لا يغيب إلا بعد ثلث الليل، وسقوط القمر لثالثة الشهر قبل ذلك، كما هو معلوم. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ومن حجج القائلين بأن الشفق الحمرة ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - "أنه صلى العشاء لسقوط القمر لثالثة
قال ابن عاشور: وفي قوله: {يغن الله كلاَ من سعته} إشارة إلى أنّ الفراق قد يكون خيرًا لهما لأنّ الفراق خير من سوء المعاشرة. ومعنى إغناء الله كلًا: إغناؤه عن الآخر. وفي الآية إشارة إلى أنّ إغناء الله كلاّ إنّما يكون عن الفراق المسبوق بالسعي في الصلح. وقوله: {وكان الله واسعًا حكيمًا} تذييل وتنهية للكلام في حكم النساء. قال أبو حيان: {وكان الله واسعًا حكيمًا} ناسب ذلك ذكر السعة، لأنه تقدّم من سعته. والواسع عام في الغنى والقدرة والعلم وسائر الكمالات. وناسب ذكر وصف الحكمة، وهو وضع الشيء موضع ما يناسب، لأن السعة ما لم تكن معها الحكمة كانت إلى فساد أقرب منها للصلاح قاله الراغب. وقال ابن عباس: يريد فيما حكم ووعظ. وقال الكلبي: فيما حكم على الزوج من إمساكها بمعروف أو تسريح بإحسان. وقال الماتريدي: أو حيث ندب إلى الفرقة عند اختلافهما، وعدم التسوية بينهما. قال الماوردي: {يُغْنِ اللهُ كُلًا مِّن سَعَتِهِ} يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: يغني الله كل واحد منهما بالقناعة والصبر عن صاحبه، ومعنى قوله: {من سعته} أي من رحمته، لأنه واسع الرحمة. والثاني: يغني الله كل واحد منهما عن صاحبه بمن هو خير منه، ومعنى قوله: {من سعته} أي من قدرته لأنه واسع القدرة.