ومن الآثار: أنه عندما يعلم الإنسان أن حتى شق التمرة يأخذ عليها أجراً، فإنه لن يتهاون بالأعمال الصالحة، ولو كانت قليلة، بعكس المتهاونين المفرطين الذين يقولون: وماذا ستغني عنا هذه الأمور؟ ولماذا نتمسك بهذه القشور كما يعبرون؟ وما تغني عنا هذه التوافه! وليس لنا حرصٌ بالمظاهر، علينا باللب والجوهر، فيضيع عليهم هذا الأجر العظيم: " اتقوا النار ولو بشق تمرة ". عباد الله: متى أيقن العبد أن ثواب العمل الصالح الذي يعمله سيكون أمامه فإنه يجتهد في جمع الحسنات، وعلى العكس إذا علم أنه سيواجه عمله السيء كان ذلك رادعا له عن ارتكاب المعاصي والسيئات. كتب الإيمان باليوم الآخر محمد الحمد - مكتبة نور. اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك...
- كتب الإيمان باليوم الآخر محمد الحمد - مكتبة نور
كتب الإيمان باليوم الآخر محمد الحمد - مكتبة نور
هناك فرق جوهري بين المؤمن بالآخرة وبين الكافر بها، في أخلاقهما، وفي مقاييسهما، ونظرتهما إلى الأمور، العمل الحسن في نظر الكافر هو كل ما يجلب له كسباً وربحاً في الدنيا، وكل همه إشباع رغباته الذاتية، لا يتحرج من استخدام الوسائل الظالمة لبلوغ أهدافه، والعمل السيء في نظره هو كل ما يدخل ضرراً على مصالحه الدنيوية، أو يحول بينه وبين إشباع شهوة من شهواته. أما المؤمن بالآخرة فالعمل الحسن في نظره هو كل ما يرضى الله عز وجل. اثار الايمان باليوم الاخر. والعمل السيئ هو كل ما يؤدي إلى غضبه، والعمل الحسن يكون حسناً، في نظر المؤمن، وإن لم يجلب له منفعة شخصية عاجلة في الدنيا. بل يكون حسناً وإن كان مضرا ًببعض مصالحه الدنيوية لأنه على ثقة من أن الله سيجازيه في الحياة الدائمة. المؤمن بالآخرة لا يسلم بنسبية الأخلاق، لأنها قيم ثابتة مطلقة منزلة من عند الله، لهذا كله فإن الإيمان بالآخرة هو الذي يجعل الإنسان يختار في الدنيا طريقاً أو سلوكاً دون آخر. وفي الحقيقة يستحيل أن يكون الإنسان صالحاً إذا كان كافراً باليوم الآخر، لأن إنكار الحياة الأخرى والحساب يقتلع الإحساس بالمسؤولية من قلبه ويهبط به من مستوى الإنسانية المكرمة إلى مستوى أسفل الحيوانات.
وإمَّا أنْ يكُون عدمُ الإيمان باليوم الآخِر عن غفلةٍ وذهول عن قضية البعْث والاستعداد لها، وتجِدُ مثالَه الصارخَ في أفراخ الليبراليِّين والعلمانيِّين، الذين جعلوا الحياةَ الدنيا أكبرَ همِّهم، ومَبلغَ عِلمِهم. ولعلَّ السبب في تبايُن موقف الناس مِن القضيتَيْن: أنَّ قضية وجود الخالق، وأنَّ هذا الكون صادرٌ عن مسبِّب له ومُريدٍ لإيجاده، مِن الظهور بحيْث لا يَقْدِر العقلُ السليم على إنكارها إلَّا على جهة المُكَابَرة، فمِن ثَمَّ يُسلِّم الكثيرون لها، ثم إنهم لا يُريدون أن يُكلِّفوا أنفسَهم أيَّ تَبِعات على التسليم بهذه القضية، فلا يخضعون لتكاليفَ شرعيَّة، ولا يؤمنون بقضايا غيبيَّة مِن بعْث وجزاء، وثواب وعقاب؛ لأنَّ كل ذلك يُكدِّر خاطرَهم، ويُشَوِّش على تمتُّعهم بشهواتهم ونزواتهم. تأمَّلتُ في كثيرٍ مِن القضايا المثيرة للجدَل بيننا وبيْن الليبراليِّين والعلمانيِّين العَرَب، الذين يَزعمون أنهم ما زالوا يَلتزمون بالإسلام، ويَرضونه دِينًا، فإذا كثيرٌ مِن هذه القضايا كان يمكن رفْع الخلاف فيها، لو قوي عندَهم باعثُ الإيمان باليوم الآخر والجَنَّة والنار. كم مِن قضية على الساحة نحتاج فيها لإثبات صحَّتها العقليَّة، وأنَّها موافِقة للمَصالح البشرية، ويَكْثُر الضجيجُ والأخْذ والرد، بينما لو وَضَع المسلِم إيمانَه باليوم الآخر نُصْبَ عينيه، فبادَرَ للامتثال، لأراح نفسَه وغيْرَه مِن الكثير مِن العناء، والخِصام والجدال.