(( وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا))؛ أي: إنه
حرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم، فحرام على كل عبد أن يظلم
غيره. والظلم نوعان: أحدهما: ظلم المرء نفسه، وأعظمه الشرك والكفر على اختلاف أنواعهما، ثم
تليها المعاصي على اختلاف أجناسها، والثاني: ظلم المرء غيره، وهو المنهي عنه ها
هنا؛ أي: لا يظلم بعضكم بعضًا. شرح حديث {يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته}. (( يا عبادي))، كرر النداء زيادة في تشريفهم وتعظيمهم؛ ولذا أضافهم إلى
نفسه. (( كلكم ضال))؛ أي: غافل عن الشرائع، (( إلا من هديته))؛ أي: وفَّقْتُه
ومنعت عنه أسباب الضلالة، (( فاستهدوني))؛
أي: اطلبوا مني الهداية، (( أهدِكم))
أدلكم على طرق النجاة في الدنيا والآخرة. (( يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعمته، فاستطعموني
أُطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أَكْسُكم))؛ أي: كل
واحد منكم في حاجة إلى الطعام والكسوة؛ فهو الذي تفضل عليكم، فخلق أصول الأشياء
وفروعها - ومنها الطعام والكسوة - وتكفل بالرزق؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ
هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [ فاطر: 15 ، وخص الطعام والكسوة
بالذكر دون غيرهما؛ لأنهما أهم شيء يهم العبد في حياته.
- شرح حديث: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم
- 111 - شرح حديث يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم / الشيخ : عبدالرزاق البدر - YouTube
- شرح حديث {يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته}
شرح حديث: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم
وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. أبو ذر الغفاري | المحدث:
مسلم
|
المصدر:
صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2577 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الظُّلمُ أنواعٌ، أعظَمُها الشِّركُ باللهِ تعالَى؛ قال اللهُ سُبحانَه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، ومِنها: ظُلمُ العَبدِ لِنَفسِه بفِعلِ المعاصي والآثامِ، ومنها: ظُلمُ العَبدِ لِغَيرِه بالتعَدِّي على مالِه أو دَمِه أو عِرْضِه.
111 - شرح حديث يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم / الشيخ : عبدالرزاق البدر - Youtube
والظلم بالنسبة للمخلوق على نوعين:
• ظلم العبد لنفسه وذلك بالشرك, وسائر المعاصي. • ظلم لغيره. 2- العباد كلهم مفتقرون لله جل وعلا بالهداية ويتفاوتون في الافتقار لذلك نقول ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] وأعظم أنواع الهداية هو الهداية لطلب العلم لأنه به تجمع له كل أنواع الخير. 3- العباد كلهم مفتقرون لأنواع الرزق والفضل من الله جل وعلا في الطعام والرزق والكسوة وجميع مصالح الدنيا والآخرة. 4- عظم حاجة العباد للرجوع والتوبة وطلب المغفرة من الله جل وعلا فهو عظيم المغفرة. شرح حديث: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم. والاستغفار على وجهين:
• طلب المغفرة باللفظ يقول رب اغفر لي. • طلب المغفرة بالمكفرات أي مكفرات الذنوب مثلا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له خطاياه.. )
5- الحديث دليل على غنى الله جل وعلا وسعة غناه فلا تزيد طاعة المخلوق شيئا ولا تنقص معصية العاصين من ملكه شيئا. 6- إن الله تعالى يحفظ أعمال العباد ويحصيها ثم يجازيهم بها فلا تظلم نفس شيئا. 7- الحديث فيه إشارة إلى محاسبة النفس والندم على الذنوب وذلك من قوله (فلا يلومن إلا نفسه)
قواعد مستنبطة من الحديث:
• قاعدة في الجزاء والحساب: الجزاء من جنس العمل
وذلك من قوله في الحديث: (إنما هي أعمالكم احصيها لكم ثم أوفيكم إياها).
شرح حديث {يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته}
ثمَّ قال سُبحانه: «يا عبادي، إنَّكم تُخطِئون» أي: تُذنِبونَ «بِاللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفرُ الذُّنوبَ جميعًا» فهو الغفورُ الَّذي يَمْحو ذُنوبَ التَّائبينَ «فَاستغْفِروني» أي: اطْلُبوا مِنِّي المغفرةَ أَغْفِر لكم» ذنوبكم «يا عِبادِي، إنَّكم لَن تبلُغوا ضُرِّي فَتَضرُّوني ولَن تَبلغوا نَفْعِي فَتَنفَعُوني» وهذا يعني: أنَّ العبادَ لا يَقدِرونَ أنْ يُوصِّلُوا إلى اللهِ نَفعًا ولا ضُرًّا؛ فإنَّ اللهَ تعالَى في نفْسِه غنِيٌّ حميدٌ لا حاجةَ له بِطاعاتِ العبادِ ولا يعودُ نفعُها إليه، وإنَّما هم يَنتفعونَ بها ولا يَتضرَّرُ بِمعاصِيهم، وإنَّما هم يَتضرَّرونَ بها. «يا عِبادي لو أنَّ أوَّلَكم» مِنَ الموجودِينَ «وآخِرَكم» مِمَّنْ سَيُوجدُ، وَقِيل: مِنَ الأمواتِ والأحياءِ، والمرادُ جميعُكم، «وإِنْسكم وجِنكم كانوا على أَتقَى قَلْبِ رجلٍ منكم» أي: لو اجتَمَعْتُم على عِبادتي، «ما زاد ذلك في مُلْكي شيئًا» وهو بيانُ أنَّ اللهَ سُبحانه لا يَحتاجُ إلى شَيءٍ مِن عِبادةِ العِبادِ، بلْ هُم الَّذين يَحتاجُون إليه، «يا عِبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أَفْجَرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم» فاجتَمَعْتُم كلُّكم على عِصياني ما ضَرَرْتُموني، و«ما نَقصَ ذلك»؛ فإنَّه لا تَزيدُه طاعةُ المطيعِ، ولا تَنقُصُه مَعاصي العاصي، فهو سُبحانه غَنيٌّ عن عِبادِه.
(( إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر))، وهذا
من باب تأكيد عدم النقص؛ لأنه من المعلوم أن المخيط إذا أدخل في البحر ثم نزع منه
فإنه لا ينقص البحر شيئًا؛ لأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء.