ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لغوا ولا كذابا " قال: باطلاً وإثماً. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قوله " لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا " قال: وهي كذلك ليس فيها لغو ولا كذاب. قوله تعالى:" لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا" اللغو: الباطل وهو ما يلغي من الكلام ويطرح، ومنه الحديث:
"(( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت))" وذلك ان أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم، ولم يتكلموا بلغو، بخلاف اهل الدنيا. (( ولا كذاباً)): تقدم، أي لا يكذب بعضهم بعضاً، ولا يسمعون كذباً. وقرأ الكسائي ((كذاباً)) بالتخفيف من كذبت كذاباً أي لا يتكاذبون في الجنة. وقيل: هما مصدارن للتكذيب، وإنما خففها ها هنا لأنها ليست مقيدة بفعل يصير مصدراً له، وشدد قوله:" وكذبوا بآياتنا كذابا" لأن كذبوا يقيد المصدر بالكذاب. يقول تعالى مخبراً عن السعداء وما أعد لهم تعالى من الكرامة والنعيم المقيم فقال تعالى: "إن للمتقين مفازاً" قال ابن عباس والضحاك: متنزهاً. لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما. وقال مجاهد وقتادة: فازوا فنجوا من النار. والأظهر ههنا قول ابن عباس لأنه قال بعده "حدائق" والحدائق البساتين من النخيل وغيرها " وأعنابا * وكواعب أترابا " أي وحوراً كواعب, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كواعب" أي نواهد, يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عرب أتراب أي في سن واحد كما تقدم بيانه في سورة الواقعة.
- أضواء البيان في تفسير القرآن - سورة مريم - تفسير الآية 62 | التفسير الشامل
- فصل: إعراب الآية (24):|نداء الإيمان
أضواء البيان في تفسير القرآن - سورة مريم - تفسير الآية 62 | التفسير الشامل
إعراب الآيات (31- 37): {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37)}. الإعراب: (للمتّقين) متعلّق بخبر إنّ (حدائق) بدل من (مفازا) منصوب مثله، ومنع من التنوين لأنه على صيغة منتهى الجموع، ومثله (كواعب) المعطوف، (أترابا) نعت لكواعب منصوب... جملة: (إنّ للمتّقين مفازا) لا محلّ لها استئنافيّة. 35- 37 (لا) نافية والثانية زائدة لتأكيد النفي (فيها) متعلّق بحال من فاعل يسمعون، (جزاء) مرّ إعرابه، (عطاء) بدل من جزاء منصوب (حسابا) نعت لعطاء... (ربّ) بدل من ربّك مجرور (ما) موصول في محلّ جرّ معطوف بالواو على السموات (الرحمن) نعت لربّ الثاني (لا) نافية (منه) متعلّق ب (يملكون) بتضمينه معنى ينالون. لا يسمعون فيها لغوا الا سلاما. وجملة: (لا يسمعون) لا محلّ لها استئناف بيانيّ. وجملة: (لا يملكون) في محلّ نصب حال من الرحمن. الصرف: (31) مفازا: مصدر ميميّ من الثلاثيّ فاز، وزنه مفعل بفتح الميم والعين ففيه إعلال بالقلب، أصله مفوز تحرّكت الواو بعد فتح قلبت ألفا... ويجوز أن يكون اسم مكان.
فصل: إعراب الآية (24):|نداء الإيمان
اللغو له معانٍ كثيرة، منها:
1- سبق اللسان من غير عقد القلب ولا عزمه على ما يقول، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: "إن اللغو ما يجري في الكلام على غير عَقْد". • وقال المناوي رحمه الله: "اللغو: ما تَسبق إليه الألسنة من القول على غير عَزمِ قصدٍ إليه"؛ (التوقيف على مهمات التعريف: 290).
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} فيه سؤال معروف، وهو أن يقال: ما وجه ذكر البكرة والعشي، مع أن الجنة ضياء دائم ولا ليل فيها. وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة: الأول - أن المراد بالبكرة والعشي قدر ذلك من الزمن، كقوله: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] أي قدر شهر. وروي معنى هذا عن ابن عباس، وابن جريح وغيرهما. الجواب الثاني - أن العرب كانت في زمنها ترى أن من وجد غداءً وعشاءً فذلك الناعم، فنزلت الآية مرغبة لهم وإن كان ما في الجنة أكثر من ذلك. ويروى هذا عن قتادة، والحسن، ويحيى بن أبي كثير. أضواء البيان في تفسير القرآن - سورة مريم - تفسير الآية 62 | التفسير الشامل. الجواب الثالث - أن العرب تعبر عن الدوام بالبكرة والعشي، والمساء والصباح، كما يقول الرجل: أنا عند فلان صباحاً ومساءً، وبكرة وعشياً. يريد الديمومة ولا يقصد الوقتين المعلومين. الجواب الرابع - أن تكون البكرة هو الوقت الذي قبل اشتغالهم بلذاتهم. والعشي: هو الوقت الذي بعد فراغهم من لذاتهم، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال. وهذا يرجع معناه إلى الجواب الأول. الجواب الخامس - هو ما رواه الترمذي الحكيم في (نوادر الأصول) من حديث أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: قال رجل: يا رسول الله، هل في الجنة من ليل؟ قال: وما يهيجك على هذا؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} فقلت: الليل بين البكرة والعشي.