أما قوله تعالى: ( راضية مرضية) فالمعنى: راضية بالثواب مرضية عنك في الأعمال التي عملتها في الدنيا ، ويدل على صحة هذا التفسير ، ما روي أن رجلا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات ، فقال أبو بكر: ما أحسن هذا فقال عليه الصلاة والسلام: " أما إن الملك سيقولها لك ".
يا أيتها النفس المطمئنة - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
يقول المولى سبحانه وتعالي في كتابه العزيز.. ياايتها النفس المطمينه ارجعي الي ربك راضيه مرضيه. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فالمولى سبحانه وتعالي هنا يخاطب النفس
، يقول الطبري في تفسير هذه الآية يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لأوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة، يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة، فصدّقت بذلك. فالمولى سبحانه وتعالي يخاطب النفس ، ولكن أين ذهبت الروح ؟ أين تذهب الروح بعد أن تغادر جسم الإنسان ؟ ولماذا لا يظهر لها أثر بعد ذلك ؟ فالنفس التي تنعم أو تعذب ويخاطبها المولى عز وجل. فأين تذهب الروح بعد أن تغادر جسم الإنسان ؟
يقول المولى عز وجل في سورة الإسراء وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ؟ يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث في المدينة ، وهو متوكئ على عسيب ، فمر بقوم من اليهود ، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الفجر - الآية 28
7
وهنا كلام نفيس لابن القيم – رحمه الله – وهو يبين هل النفس واحدة أم ثلاث؟ فقال:
والتحقيق أنها نفس واحدة ولكن لها صفات فتسمى باعتبار كل صفة باسم فتسمى مطمئنة
باعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته وللإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به
والسكون إليه. فإن سمة محبته وخوفه ورجائه منها قطيع النظير عن محبة غيره وخوفه ورجائه، فيستغني
بمحبته عن حب ما سواه وبذكره عن ذكر ما سواه، وبالشوق إليه وإلى لقائه عن الشوق إلى
ما سواه، فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه
عليه، وترد قلبه الشارد إليه حتى كأنه جالس بين يديه؟ يسمع به ويبصر به، ويتحرك به
ويبطش به، فتسري تلك الطمأنينة في نفسه وقلبه ومفاصله إلى خدمته والتقرب إليه،ولا
يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره وهو كلامه الذي أنزله على رسوله كما
قال تعالى:{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا
بذكر الله تطمئن القلوب} 8. يا أيتها النفس المطمئنة - مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. فإن طمأنينة القلب، سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج عنه؛ وهذا لا يتأتى بشيء
سوى الله – تعالى- وذكره البتة، وأما ما عداه فالطمأنينة إليه وبه غرور والثقة به
عجز. قضى الله سبحانه وتعالى قضاءً لا مرد له أن من اطمأن إلى شيء سواه أتاه القلق
والانزعاج والاضطراب من جهته كائناً من كان، بل لو اطمأن إلى سواه أغراها بسهام
البلاء ليعلم عباده وأولياؤه أن المتعلق بغيره مقطوع، والمطمئن إلى سواه عن مصالحه
ومقاصده مصدود وممنوع.
المسألة الثالثة: اعلم أن الله تعالى ذكر مطلق النفس في القرآن فقال: ( ونفس وما سواها) [ الشمس: 7] وقال: ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) [ المائدة: 116] وقال: ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) [ السجدة: 17] وتارة وصفها بكونها أمارة بالسوء ، فقال: ( إن النفس لأمارة بالسوء) [ يوسف: 53] وتارة بكونها لوامة ، فقال: ( بالنفس اللوامة) [ القيامة: 2] وتارة بكونها مطمئنة كما في هذه الآية. واعلم أن نفس ذاتك وحقيقتك وهي التي تشير إليها بقولك: ( أنا) حين تخبر عن نفسك بقولك فعلت ورأيت وسمعت وغضبت واشتهيت وتخيلت وتذكرت ، إلا أن المشار إليه بهذه الإشارة ليس هو هذه البنية لوجهين:
الأول: أن المشار إليه بقولك: ( أنا) قد يكون معلوما حال ما تكون هذه البنية المخصوصة غير معلومة ، والمعلوم غير ما هو غير معلوم. والثاني: أن هذه البنية متبدلة الأجزاء والمشار إليه بقولك: ( أنا) غير متبدل ، فإني أعلم بالضرورة أني أنا الذي كنت موجودا قبل هذا اليوم بعشرين سنة ، والمتبدل غير ما هو غير متبدل ، فإذا ليست النفس عبارة عن هذه البنية ، وتقول: قال قوم إن النفس ليست بجسم لأنا قد نعقل المشار إليه بقوله: ( أنا) حال ما أكون غافلا عن الجسم الذي حقيقته المختص بالحيز الذاهب في الطول والعرض والعمق.