القول في تأويل قوله تعالى: ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52) صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ( 53))
يعني - تعالى ذكره - بقوله: ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) وكما كنا نوحي في سائر رسلنا ، كذلك أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن ، روحا من أمرنا: يقول: وحيا ورحمة من أمرنا. واختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم: عنى به الرحمة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، [ ص: 560] عن الحسن في قوله: ( روحا من أمرنا) قال: رحمة من أمرنا. وقال آخرون: معناه: وحيا من أمرنا. بين نوع الهداية في الآية التالية قال تعالى :( وأنك لتهدي إلى صراط المستقيم) - ما الحل. حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله: ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) قال: وحيا من أمرنا. وقد بينا معنى الروح فيما مضى بذكر اختلاف أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) يقول - جل ثناؤه - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ما كنت تدري يا محمد أي شيء الكتاب ولا الإيمان اللذين أعطيناكهما.
بين نوع الهداية في الآية التالية قال تعالى :( وأنك لتهدي إلى صراط المستقيم) - ما الحل
( ولكن جعلناه نورا) يقول: ولكن جعلنا هذا القرآن ، وهو الكتاب نورا ، يعني ضياء للناس ، يستضيئون بضوئه الذي بين الله فيه ، وهو بيانه الذي بين فيه ، مما لهم فيه في العمل به الرشاد ، ومن النار النجاة ( نهدي به من نشاء من عبادنا) يقول: نهدي بهذا القرآن ، فالهاء فى قوله " به " من ذكر الكتاب. ويعني بقوله: ( نهدي به من نشاء): نسدد إلى سبيل الصواب ، وذلك الإيمان بالله ( من نشاء من عبادنا) يقول: نهدي به من نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. خطبة عن قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم. حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط ، عن السدي ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا) يعني بالقرآن. وقال - جل ثناؤه - ( ولكن جعلناه) فوحد الهاء ، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان ، لأنه قصد به الخبر عن [ ص: 561] الكتاب. وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب ، ولكن وحد الهاء ، لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل ، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني ، فيوحدهما وهما اثنان. وقوله: ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: وإنك يا محمد لتهدي إلى صراط مستقيم عبادنا ، بالدعاء إلى الله ، والبيان لهم.
الشورى الآية ٥٢Ash-Shuraa:52 | 42:52 - Quran O
كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال تبارك وتعالى ( ولكل قوم هاد) داع يدعوهم إلى الله عز وجل. حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال: لكل قوم هاد. حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط ، عن السدي ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) يقول: تدعو إلى دين مستقيم. يقول - جل ثناؤه -: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وهو الإسلام ، طريق الله الذي دعا إليه عباده ، الذي له ملك جميع ما في السموات وما في الأرض ، لا شريك له في ذلك. والصراط الثاني: ترجمة عن الصراط الأول. وقوله - جل ثناؤه -: ( ألا إلى الله تصير الأمور) يقول - جل ثناؤه -: ألا إلى الله أيها الناس تصير أموركم في الآخرة ، فيقضي بينكم بالعدل. فإن قال قائل: أو ليست أمورهم في الدنيا إليه ؟ قيل: هي وإن كان إليه تدبير جميع ذلك ، فإن لهم حكاما وولاة ينظرون بينهم ، وليس لهم يوم القيامة حاكم ولا سلطان غيره ، فلذلك قيل: إليه تصير الأمور هنالك وإن كانت الأمور كلها إليه وبيده قضاؤها وتدبيرها في كل حال. الشورى الآية ٥٢Ash-Shuraa:52 | 42:52 - Quran O. آخر تفسير سورة حم عسق [ ص: 562] [ ص: 563]
خطبة عن قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) - خطب الجمعة - حامد إبراهيم
وقد ذَكَر ابن القيم أن الهداية على أربع المراتب: الأولى: الهداية العامة ، الثانية: هداية التوفيق والإلهام ، الثالثة: هداية الدلالة والإرشاد ، الرابعة: الهداية في الآخرة ، والهداية الْمَنْفِيّة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ): هي هداية التوفيق والإلهام ، والْمُثْبَتة له عليه الصلاة والسلام ، في قوله تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ): هي هداية الدلالة والإرشاد ، وبهذا تجتمع الآيات ولا تعارض بينها.
ا لخطبة الأولى ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فالسبيل المستقيم أو الصراط المستقيم هو ما تدعو له الرسل، وتهدي الناس إليه، أما السبل الأخرى التي ينحرف إليها البعض فليست إلا سبلا شيطانية نشأت بعد أن قعد لهم إبليس على هذا «صراط الله المستقيم».
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله: ( في بيوت أذن الله أن ترفع) يعني كل مسجد يصلى فيه ، جامع أو غيره. حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: ( في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: مساجد تبنى. حدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله. حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله. حدثنا الحسن ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله: ( في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: في المساجد. قال: أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال: أدركت أصحاب رسول الله وهم يقولون: المساجد بيوت الله ، وإنه حق على الله أن يكرم من زاره فيها. حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا ابن المبارك ، عن سالم بن عمر في قوله: [ ص: 190] ( في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: هي المساجد. موقع هدى القرآن الإلكتروني. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قوله: ( في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: المساجد. وقال آخرون: عنى بذلك البيوت كلها. حدثنا ابن حميد ، ونصر بن عبد الرحمن الأودي ، قالا حدثنا حكام بن سلم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عكرمة ( في بيوت أذن الله أن ترفع) قال: هي البيوت كلها.
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه
بيــان:
يحتمل أن يكون المراد بالبيوت في الآية البيوت المعنوية فإنه شائع بين العرب والعجم التعبير عن الأنساب الكريمة والأحساب الشريفة بالبيوت، وأن يكون المراد بها البيوت الصورية كبيوتهم عليهم السلام في حياتهم وروضاتهم المنورة بعد وفاتهم، والمراد بالرجال إما الأئمة عليهم السلام أو خواص شيعتهم أو الأعم. قال الطبرسي رحمه الله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾: معناه هذه المشكاة في بيوت هذه صفتها وهي المساجد، في قول ابن عباس وغيره، ويعضده قول النبي صلى الله عليه وآله: " المساجد بيوت الله في الأرض وهي تضئ لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض ".
موقع هدى القرآن الإلكتروني
وعني بقوله: ( يسبح له فيها بالغدو والآصال) يصلي له في هذه البيوت بالغدوات والعشيات رجال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. حدثني علي بن الحسن الأزدي ، قال: ثنا المعافى بن عمران ، عن سفيان ، عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة. حدثني علي ، قال ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قال: ثم قال: ( يسبح له فيها بالغدو والآصال) يقول: يصلي له فيها بالغداة والعشي ، [ ص: 192] يعني بالغدو: صلاة الغداة ، ويعني بالآصال: صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة ، فأحب أن يذكرهما ، ويذكر بهما عباده. تفسير آية: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ... }. حدثنا الحسن ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن الحسن ( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) أذن الله أن تبنى ، فيصلى فيها بالغدو والآصال. حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول في قوله: ( يسبح له فيها بالغدو والآصال) يعني الصلاة المفروضة. وقوله: ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) يقول تعالى ذكره: لا يشغل هؤلاء الرجال الذين يصلون في هذه المساجد ، التي أذن الله أن ترفع ، عن ذكر الله فيها وإقام الصلاة - تجارة ولا بيع.
تفسير آية: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ... }
قَوْلُهُ:﴿ أَنْ تُرْفَعَ ﴾، قَالَ مُجَاهِدٌ أَنْ تُبْنَى نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ﴾ [البقرة: 127] وقال الحسن: تعظم يعني لا يذكر فيها الْخَنَا مِنَ الْقَوْلِ. وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُتْلَى فِيهَا كِتَابُهُ، يُسَبِّحُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ «يُسَبَّحُ» بِفَتْحِ الْبَاءِ عَلَى غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَالْوَقْفُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ وَالْآصالِ ﴾ [النور: 36] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْبَاءِ جَعَلُوا التسبيح فِعْلًا لِلرِّجَالِ، يُسَبِّحُ لَهُ أَيْ: يُصَلِّي، لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ، أَيْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ. فَالَّتِي تُؤَدَّى بِالْغَدَاةِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالَّتِي تُؤَدَّى بِالْآصَالِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَصِيلِ يَجْمَعُهُمَا. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ. أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الحسين الحيري أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ ثَنَا محمد بن يحيى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أنا همام عن أبي جمرة أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة النور - القول في تأويل قوله تعالى " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه "- الجزء رقم19
وقد قام مدير المديرية الشيخ سيد محمد عبد الدايم، بحضور افتتاح مسجد نجع الوحدة بمركز ومدينة الطود، وقام فضيلته بارتقاء المنبر وإلقاء خطبة الجمعة، والتى كانت بعنوان "كيف نستقبل شهر رمضان" وبين فيها أن شهر رمضان شهر كريم مبارك يجب علينا أن نغتنمه، وأن نبذل قصارى جهدنا فيه، وقد حضر حفل الافتتاح كلا من محمد عبدالقادر خيرى نائب محافظ الأقصر، والدكتور محمد محجوب عزوز رئيس جامعه الأقصر، والنائب محمد عطا الله عضو مجلس الشيوخ، والدكتور محمد رزق رئيس مركز ومدينة الطود. ويذكر أن خطبة الجمعة اليوم جاءت تحت عنوان "كيف نستقبل الشهر الكريم"، وتناولت الخطبة أن شهر رمضان المبارك حافل بالنفحات الربانية والمنح الإلهية، فهو خير الشهور وفيه خير الليالي ونزل فيه كتاب من رب العالمين والمسلمون في شتي بقاع الدنيا.
تفسير: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)
(معاني الأخبار:400)
فأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم الذين قال في حقهم تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. (الأحزاب:33)
فالقرآن الكريم يصرح تارة ويلوّح تارة أخرى، بمقام هذه الكواكب من الخلق.. الذين جعلهم الله سبحانه مقياساً للحق والعدل والإنسانية وأمرنا بالاقتداء بهم والتمسك بحبل ولايتهم والاعتصام بحبهم أبداً. فتلك البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}. (النور:36)
وهي بيوت الأئمة الكرام من آل بيت الرسول المعصومين عليهم السلام وذلك لأنّ فيها رجالاً لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا سلطة ولا جاه ولا مال ولا عيال عن ذكر الله؛ فقال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}. (النور:37)
حاشاهم أن يلهيهم شيء من الحطام الفاني في هذه الدنيا الدنية عن السمو والتعالي إلى فضاء الرحمانية العالية والاقتراب ما أمكن من ساحة القدس المعظمة في جنب الله سبحانه وتعالى.
وقد كان يثبت لهم الإمام الجواد عليه السلام أنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووريثه الشرعي والحقيقي وصاحب المقام الرفيع في الإسلام، ألا وهو الإمام حقاً. ففي ذلك البيت وفي ذلك العصر العصيب وُلد الإمام علي الهادي عليه السلام، فأخذ أبوه الإمام الجواد عليه السلام بتربيته تربية وتعليماً مكثفاً – إن صحّ التعبير – كما قام والده الإمام الرضا عليه السلام بشأن تربيته هو، وهو يعلم أنه سوف يفارقه في سن مبكرة ويتولى قيادة الأمة في سن الفتوّة وريعان الشباب. ترعرع الوليد المبارك في ظل أبيه الظليل.. يربيه تربية الرسالة ويعلّمه بتعاليم النبوّة والإمامة.. ويرفع له من مقامه ويصقل له أحاسيسه وينمّي له مداركه بدقّة متناهية وخطوات ثابتة لا تزعزعها العواصف. وما أن بلغ الثامنة من عمره الشريف وفي أيام الأخيرة من المحرم الحرام استقدم الخليفة العباسي المعتصم بحبل الشيطان، الإمام الجواد عليه السلام من مدينة جده إلى عاصمته بغداد. فجاء بابنه الحبيب وأجلسه في حجره وأوصاه بوصايا.. وتودّعها.. وذهب الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد ولم يعد، فقد استشهد بسمّ المعتصم اللعين الذي دسّه إليه عن طريق أحد وزرائه الخبثاء.