العدل واحد من أجلِّ الأخلاق والصفات الحميدة التي تحبها النفوس وتميل إلى الرجل العادل، حيث إن العدل يبعث الأمل في نفوس المظلومين، ويخاف منه كل ظالم، حيث إن العدل يُرجع كل أمر إلى نصابه الصحيح، وبه ترجع الحقوق إلى أهلها وتعم السعادة بين الناس ويستقيم وجه الحياة على هذه الأرض. حديث عن العدل بين الابناء. وقد كان العدل دائمًا صفة لعظماء التاريخ والأتقياء من الأمم والصالحين الذين ترد علينا سيرتهم بالخير دائمًا، وقد كان أكثر الناس عدلًا هم الأنبياء الذين ابتعثهم الله تعالى لإقامة العدل في الأرض، فهم أولى الناس بتلك الصفة الجليلة والمنقبة العظيمة. ونحن في هذا الموضوع أحاديث عن العدل النبوي في الإسلام، نتعرض إلى بعض نماذج من العدل النبوي ومن الأحاديث النبوية وما نقلته لنا السيرة الشريفة في هذا الصدد. أحاديث نبوية عن العدل:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} (المائدة:8). عن أبي سعيد الخدري قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا ، أقبل رجل فأكب عليه ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه ، فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعال فاستقد ، قال: بل قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي.
حديث نبوي عن العدل
أما عن الأمانة في العمل والتفاني فيه أذكر لك قصة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله الفاروق الصحابي الجليل، ففي أحد الأيام جاء مال لبيت المسلمين من غنائم، وكان من ضمن هذا المال جرة به مسك فدخل أمير المؤمنين ليقوم بحصر الغنائم في بيت المال وشم رائحة المسك وما كان منه بمجرد أن شم رائحة المسك إلا أن قام بتغطية أنفقه، ولما سألوه في ذلك فقال وهل ينتفع بالمسك إلا برائحته وهذا المسك ملك للمسلمين وأخشى أن أشم هذا المسك دون المسلمين. حديث نبوي عن العدل. أما عن التفاني في العمل فهناك قصة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو كان لا ينام ليلا بل يبحث عن أحوال الرعية ويبحث عن المحتاج منهم ولعلنا نذكر قصة بائعة اللبن ففي أحد الليالي قام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله بالسؤال عن أحوال المسلمين فسمع بائعة اللبن تقول لابنتها اجلبي الماء لكي نخلط اللبن بالماء، فقالت البنت لأمها يا أماه إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا. لاحظ التناقض بين فعل سيدنا عمر في اتقانه في عمله وفعل الأم في غش اللبن وعملها وعدم اتقانها لعمله نحن نحتاج لأن نكون مثل سيدنا عمر في أعمالنا. كما أنه من أخلاق العمل في الإسلام ألا يسئ رب العمل إلى خادمه ولعل من أروع من ضرب لنا هذا كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لأنس بن مالك رضي الله عنه الذي كان يخدمه.
وعن عبد الله بن مسعود قال: (كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: وكانت عقبة -دور- رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا: نحن نمشي عنك، فقال: ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) رواه أحمد في مسنده. عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل) رواه أحمد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة المرأة المخزومية الشهيرة: ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاري ومسلم. حديث عن العدل - ووردز. وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر صحابته بالعدل في كل شيء وعدم تغليب جوانب على أخرى فقال ذات مرة: (يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار ، وتقوم الليل فلا تفعل ، فإن لجسدك عليك حظا ، ولعينك عليك حظا ، وإن لزوجك عليك حظا) رواه مسلم. عدل النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه:
وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها) رواه البخاري ومسلم.
ومن أهم مميزات عملها إلى جانب التلوين، توظيف الفعل الزخرفي، سواء أكان نباتيًّا أم هندسيًّا، لصالح العمل، لكونه ينتظم في التعبير عن الحياة الشعبية، بل وظَّفت كثيرًا من الحروفيات والكتابات في مناخ عملها الفني الذي يحتمل الكثير من الإضافات والامتلاء في التكوين. إنَّ ما أنجزته «صفية بن زقر» يشكل مساحة لافتة في الفنون العربية المعاصرة، حين ينتظم عملها في بنائية رصينة وقدرة هائلة على تطويع الباليتة اللونية لصالح موضوعاتها، لتنتج غنائية لونية فردوسية، أسهمت في إعطاء عملها حيوية وقدرة على التواصل مع ما هو نخبوي وما هو عام، تلك هي المعادلة الصعبة التي أتقنتها «بن زقر».
لوحات الفنانة صفية بن زقر | المرسال
لقد استطاعت الأستاذة صفية بن زقر عبر فنها التشكيلي أن تعبر عن البيئة والمرأة الحجازية عن بيئتها عن طقوسها الاجتماعية، والتفاصيل الحياتية الدقيقة في الحجاز، ومظاهر العادات والتقاليد الشعبية. وهو ما أعطى رسالتها الفنية قيمة في رصد الواقع الاجتماعي في المملكة وكل ما يتعلق بالمرأة ووظائفها الاجتماعية. إن الاحتفال بعبق التراث ليس دائماً عودة للخلف بل أحياناً هو تثبيت لأصالة الهوية وإحياء لقيم ضاعت مع ضجيج العصرنة، إن الفن والأدب بوجه عام هما ذاكرة الشعوب، وكلما اقتربت رسالة الفن والأدب من حياة الناس وتاريخهم وهويتها اكتسبا الريادة والخلود. لم يقف إيمان صفية بن زقر بالمجتمع عند حدود الألوان والصورة بل أمتدّ إلى المساهمة الاجتماعية في نشر قيمة الفن والثقافة من خلال «دارتها» وهذه قصة أخرى تتجلى فيها عظمة هذه السيدة الرائدة. إن الأنانية والنفعية هما من مُفسِدات الريادة. لقد أنشأت الأستاذة صفية بن زقر»دارتها» لغاية خدمة المجتمع الجداوي ثقافياً وفنياً وتوعوياً، لا تهدف إلى ربحية من أي نوع، ولا تهدف إلى دس السم في العسل. فكانت دارتها لكل الأطياف النخبوية والشعبية، ولم تكتفِ بذلك بل شملت الجيل الجديد ففتحت أبواب «دارتها» لطالبات المدارس بمراحلها المختلفة، ورعاية المواهب، وبذلك حققت معادلة الاندماج مع الأجيال، المعادلة التي فشل في تحقيقها النادي الأدبي في جدة.
صفية بن زقر Archives - Vogue Arabia
صفية بن زقر (1940) هي فنانة تشكيلية سعودية، مؤسسة ومالكة "دارة صفية بن زقر" في جدة، وعضو أول في الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وعضو مؤسس لبيت التشكيليين في جدة، اشتهرت بتوثيقها في رسوماتها للفلكلور والمظاهر الاجتماعية والثقافية والمعمارية لمدينة جدة ومنطقة الحجاز. وفازت بجائزة "كأس ودبلوم دي إكسيلانس" من جرولادورا عام 1982 في إيطاليا، ومُنحت وسام الملك عبدالعزيز في عام 2016. النشأة والتعليم ولدت صفية بن زقر في حارة الشام في مدينة جدة القديمة، وفي أواخر عام 1947 عندما بلغت السابعة من عمرها انتقلت مع أهلها إلى القاهرة، ومن هناك حصلت على الشهادة الإعدادية في عام 1957، والشهادة الثانوية الفنية عام 1960، وبعد ذلك غادرت القاهرة نحو بريطانيا التي بقيت فيها ثلاثة أعوام التحقت فيها بـ (Finishing school)، وفي أواخر عام 1965عادت إلى القاهرة لتنمية هواية الرسم عن طريق الدروس الخصوصية، وأخيرا التحقت بكلية " سانت مارتن" [1] للفنون في لندن ضمن برنامج دراسي لمدة عامين، حصلت بعدها على شهادة في فن الرسم والجرافيك. الحياة العملية تعتبر صفية بن زقر من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في المملكة العربية السعودية، وقد بدأ مشوارها الفني بإقامة أول معرض لها في عام 1968 في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة، حيث لم تكن هنالك صالات عرض متخصصة في ذلك الوقت، أقامت بعدها العديد من المعارض المحلية في مدينة الرياض وجدة والظهران والجبيل والمدينة المنورة وينبع وأبها، والعديد من المعارض الدولية في كل من باريس وجنيف ولندن حتى أصبح لها حصيلة ثمانية عشر معرضاً شخصياً، وستة معارض جماعية، عرفت من خلالها كفنانة للتراث السعودي محلياً ودولياً.
جريدة الجريدة الكويتية | صفية بن زقر... بول سيزان السعودية
كما نشرت كتابها الثاني (صفية بن زقر رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي). وأصبح لصفية أسلوبها المستقل الذي نجحت في أقلمته ليتناسب مع مظهرية التراث المستوحى في لوحاتها. وقد تركت تلك الخصوصية بصماتها الواضحة على فنها بشكل تلقائي ومباشر، وهو أمر جعل لوحاتها مختلفة عن غيرها من الفنانين التشكيليين، هذا ويتميز أسلوبها ببساطة التكوين وقوة البناء والاهتمام بالكتل والأحجام، وقد نوعّـت أدواتها الفنية بتنوع موضوعاتها مراعية التجانس والانسجام ما بين العمل والمادة المستخدمة في تنفيذه. ولخدمة مجتمعها وسعيًا لنشر ثقافة الفن في السعودية، أنشأت الفنانة دارة تحمل اسم دارة صفية بن زقر في مدينة جدة، والتي تهدف إلى الحفاظ على التراث الاجتماعي، من خلال تنظيم ورش عمل للصغار والكبار، وإقامة الندوات والمحاضرات، وإيجاد مكتبة فنية أدبية داخل المتحف، مجهزة بكافة التسهيلات والمستلزمات للدارسات، وتوفير محل لبيع الهدايا وبعض الأعمال الفنية التذكارية. ويعد وسام الملك عبدالعزيز ثالث الأوسمة السعودية في الدرجة ويمنح تقديرًا لمن يؤدي خدمات كبرى للدولة أو لأحد مؤسساتها، أو يقوم بخدمات أو أعمال ذات قيمة معنوية هامة، أو لمن يقدم تضحيات كبيرة.
لم يكن الأمر باليسير حين تقرر فنانة سعودية ترتبط بتقاليد اجتماعية لها محدداتها أن تقدِّم في وقت مبكر إنجازًا بائنًا في مجال الفنون التشكيلية، علمًا بأن جغرافيا الوطن العربي كانت تعاني جهلًا وحصارًا للفنون التشكيلية. فالفنانة «صفية بن زقر» التي كرَّمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في مهرجان الجنادرية مطلع فبراير المنصرم، استطاعت تجاوُز تلك الظروف الصعبة، لتتحيز لهواجسها الفنية، وتفتح عبر ريادتها نافذة كبيرة لممارسة الرسم والتلوين. وأعتقد أن الظروف ساعدتها في تجاوز ذلك، تحديدًا عند سفرها مع أسرتها إلى القاهرة في عام 1947م، الذي أتاح لها الفرصة منذ طفولتها لأن تحتكّ بمجتمعات تختلف بمركّباتها عن مسقط رأسها، فكانت القاهرة هي الجرعة الأولى لتفتُّح موهبتها الحرة، لتغادرها إلى بريطانيا كي تلتحق بمدرسة Finishing school، مدة ثلاث سنوات دراسية. لم تتوقف الفنانة «بن زقر» المولودة في حارة الشام بجدة عام 1940م، عن البحث لتطوير أدواتها؛ إذ عادت إلى القاهرة في عام 1965م كما ذهبت ثانية إلى بريطانيا لتلتحق بكلية سانت مارتن للفنون، لتتعلم أصول الرسم والتلوين والغرافيك، فشغف «بن زقر» بالمعرفة جعل منها فنانة تمتلك أدواتها الاحترافية في مجال الفنون، وعلامة من علامات الفن التشكيلي العربي.