وعلى هذا يكون قوله تعالى: ﴿ اسْتَوْقَدَ ﴾ دالاً على الطلب، خلافًا لمن ذهب إلى أنه بمعنى:( أوقد). وأما ما احتجُّوا به من أن جعله للطلب يقتضي حذف جملة حتى يَصِحَّ المعنى، وأن إضاءة النار لا تتسبب عن الطلب وإنما تتسبب عن الاتقاد، فليس بشيء؛ لأنه مبني على أن معنى ﴿ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ ( الذين استوقدوا نارًا)، وأنه مثل للمنافقين. وفرق كبير بين أن يكون ﴿ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ مثلاً للمنافق، وبين أن يكون مثلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فليس من الصواب في شيء بعد هذا البيان أن يذهب ذاهب إلى أن ﴿ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ هو مثل المنافق، وأنه مفرد في معنى الجمع، وأن ناره التي استوقدها قد خمدت، وأن نفاقه كان سببًا في إذهاب نوره. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة البقرة - قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا- الجزء رقم1. ولا يخفى ما في ذلك من خطر؛ إذ كيف يُجْعَل منافقًا من أضاء بناره الوجود من حوله، ثم يُؤخَذ بجرم المنافقين؟ وكيف يحكم على نوره الذي رفعه لهداية الناس بالذَّهاب، وعلى ناره التي استوقدها بالخمود.. هذه النار التي أوقدها الله تعالى له؛ ليهتدي بنور ضوئها الذي ملأ الوجود كلُّ موجود في هذا الوجود؟! نسأله سبحانه أن ينور قلوبنا؛ ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾.
تفسير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا}
وقال ابن جرير رحمه الله: مثل استضاءة المنافقين بما أظهروا بألسنتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الإقرار به، وقولهم له وللمؤمنين آمنا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر حتى حكم لهم بذلك في عاجل الدنيا بحكم المسلمين في حقن الدماء والأموال والأمن على الذرية من السباء، وفي المناكحة والموارثة، كمثل استضاءة الموقد النار بالنار، حتى ارتفق في ضيائها، وأبصر ما حوله، مستضيئاً بنورها من الظلمة، حتى خمدت النار وانطفأت فذهب نوره، وعاد المستضئ بها في ظلمة وحيرة. وذلك أن المنافق لم يزل مستضيئاً بضوء القول الذي دفع عنه في حياته القتل والسباء مع استبطانه ما كان مستوجبا به القتل وسلب المال - لو أظهره بلسانه - تخيل إليه بذلك نفسه أنه بالله ورسوله والمؤمنين مستهزئ مخادع، حتى سولت له نفسه - إذ ورد على ربه في الآخرة أنه ناج منه بمثل الذي نجا به في الدنيا من الكذب والنفاق. أو ما تسمع الله جل ثناؤه يقول إذ نعتهم ثم أخبر خبرهم عند ورودهم عليه ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [المجادلة: 18] ظنا من القوم أن نجاتهم من عذاب الله في الآخرة بمثل الذي كان به نجاتهم من القتل والسباء وسلب المال في الدنيا: من الكذب والإفك؛ وأن خداعهم نافعهم هنالك نفعه إياهم في الدنيا؛ حتى عاينوا من أمر الله ما أيقنوا به أنهم كانوا من ظنونهم في غرور، وضلال واستهزاء بأنفسهم وخداع إذ أطفأ الله نورهم يوم القيامة، فاستنظروا المؤمنين ليقتبسوا من نورهم.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة البقرة - قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا- الجزء رقم1
فمثل هذا الفريق من الصنف المخذول في فقده لما كان عنده من نور الهداية الدينية وحرمانه من الاهتداء بها بالمرة، وانطماس الآثار دونها عنده، مثل من استوقد ناراً... الخ. والوجه في التمثيل: أن من يدعي الإيمان بكتاب نزل من عند الله قد طلب بذلك الإيمان أن توقد له نار يهتدي بها في الشبهات، ويستضيء بها في ظلمات الريب والمشكلات، ويبصر على ضوئها ما قد يهجم عليه من مفترسة الأهواء والشبهات، فلما أضاءت ما حوله بما أودعته من الهدى والرشاد، وكاد بالنظر فيها يمشي على هداية وسداد، هجمت عليه من نفسه ظلمة التقليد الخبيث، وعصب عينيه شيطان الغرور، فذهب عنه بذلك النور، وأطبق عليه جو الضلالة، بل طفئ فيه نور الفطرة، وتعطلت قوى الشعور بين يديه، فهو بمنزلة الأعمى الأصم، لا يبصر ولا يسمع. تفسير مثلهم كمثل الذي استوقد نارا. وأما الفريق الثاني فقد ضرب له الله المثل في قوله ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 19] الخ، وهو الذي يبقى له بصيص من النور، فله نظرات ترمي إلى ما بين يديه من الهداية أحياناً، ولمعاني التنزيل لمعان يسطع على نفسه الفينة بعد الفينة؛ ويأتلق في نظره الحين بعد الحين عندما تحركه الفطرة، أو تدفعه الحوادث للنظر فيما بين يديه، ولكنه من التقاليد والبدع في ظلمات حوالك، ومن الخبط فيها على حال لا تخلو من المهالك، وهو في تخبطه يسمع قوارع الإنذار الإلهي، ويبرق في عينه نور الهداية، فإذا أضاء له ذلك البرق السماوي سار، وإذا انصرف عنه بشبه الضلالات الغرارة قام وتحير، لا يدري أين يذهب.
وهذا غاية البلاغة والإعجاز، وهو من أساليب القرآن المعجزة، ونوع عزيز من أنواع البديع، سمَّاه الأندلسي في شرح البديعية الاحتباك). وذكره الزركشي في البرهان، وسَمَّاه الحذف المقابلي). ومثَّل له الكرماني في الغرائب بقوله تعالى:﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾(البقرة:171)، وقال في تقديره:« مثل الذين كفروا معك يا محمد! كمثل الناعق مع الغنم. فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر، وله في القرآن نظائر، وهو أبلغ ما يكون في الكلام، وهو من ألطف الأنواع وأبدعها، وقلَّ من تنبَّه له، أو نبَّه عليه من أهل فنِّ البلاغة ». وبهذا الفهم لمعنى الآية الكريمة يكون ﴿ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ تمثيلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله في ذلك:﴿ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ﴾، وتكون الطائفة التي ذهب الله بنورها من جماعة المستوقد تمثيلاً لطائفة المنافقين. وممَّا يستأنس به هنا ما أخرجه مسلم في صحيحه، والتِّرمذيُّ في سننه، عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِا فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِا »، فمثَّل عليه الصلاة والسلام نفسه برجل استوقد نارًا، ومثَّل الناس الذين لم ينتفعوا بضوء النار بالفراش والدوابِّ التي تقع في النار.
تحميل كتاب أحبك وكفى pdf – محمد السالم
" أحبك وكفى " عدد من المواضيع الأدبية التى يمكن لها أن تنهيها في جلسة واحدة ، وذلك الكتاب أشبه برسائل متبادلة
فالكاتب يسكن شأنه من مدد الحياة ويعبر عنها في ذلك الكتاب ، فالاسلوب السهل وسهولة الألفاظ تجعل القارئ يتخيل
المواضيع كأنه يسكنُها ، فتنوع الكتاب بين خلط من مواضيع للأحبه ، وأخرى للوالدين والاسلوب الممزوج بين الفصحى العامية
والواقعية جعل الكاتب يكتب من ربيع الحياة فحرف يأخذك ثمة للرقص مع القمر وحرف أجدد يبدد المسافات ويجعل يومك سعيداً.
اقرأ الآن كتاب أحبك وكفى Pdf للمؤلف محمد السالم - مكتبة كل الكتب | تحميل وقراءة كتب Pdf مجاناً
ولتحميل المزيد من الروايات والكتب الحصرية الاطلاع علي تصنيف الاحدث على الموقع اضغط هنا
ولتحميل المزيد من الروايات والكتب الحصرية انضم الى جروب بستان الكتب بطعم الكتب اضغط هنا
تذكر أنك حملت هذا الكتاب من موقع بستان الكتب
للتحميل اضغط هنا
لمناقشة الكتاب فى جروب بستان الكتب اضغط هنا
للإبلاغ عن رابط لا يعمل اضغط هنا
جميع الحقوق محفوظة لـ © كل الكتب 2020
اتصل بنا |
سياسة الخصوصية |
خريطة الموقع