ومن أقواله: إّن من الحديث حديثًا له ضوء، كضوء النهار تعرفه، وإنّ من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل تُنْكِره. وكان يقول: قولوا خيرًا، وافعلوا خيرًا، ودوموا على صالح ذلك، واستكثروا من الخير، واستقلّوا من الشرّ، لا تقسو قلوبكم ولا يطول عليكم الأمَد {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [سورة الأنفال:21]. قال إبراهيم: كان الربيع بن خثيم يزور علقمة، وكان في الحيّ جماعة، والطريقُ في المسجد، فدخل المسجدَ نساءٌ، فلم يطرف الربيع حتى خرجن، فقيل له: ما يمنعك أن تدخل على علقمة؟ قال: إنّ بابه مُصْفَق، وأنا أكره أن أوذيه. وقال أبو وائل: أتينا الربيع بن خثيم في داره، فقال رجل: إنّكم لتأتون رجلًا إن حدّثكم لم يكذّبكم، وإن ائتمنتموه لم يخنكم، قال: فدخلنا عليه، فقال: الحمد لله الذي لم تأتوني؛ لأزني، فتزنون معي، ولا لأسرق، فتسرقون معي، ولا لأشرب، فتشربون معي. الربيع بن خثيم - أرابيكا. قال إبراهيم التيمي: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عامًا ما سمع منه كلمة تُعاب. وكان الربيع إذا قيل له: كيف أصبحتَ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا. قال مُنْذِر الثوري: كان إذا أتا الربيع رجل قال: يا عبد الله، أطع الله فيما علمتَ، وما استُؤثر به عليك، فكِلْهُ إلى عالمِهِ؛ لأنا في العَمْد أخْوَفُ عليكم مِني في الخطأ، ما خياركم بخيره، ولكن خير من آخرهم شرّ منهم، ما تبتغون الخير حقّ ابتغائه، ولا تفرون من الشرّ حقّ فراره، ما كلّ ما أُنْزِل على محمّد أدركتم، ولا كلّ ما تقرءون تدرون ما هو، السرائر السرائر اللاتي يخفين على الناس، وهنّ لله بَوادٍ، التمسوا دواءهنّ، ثمّ يقول: وما دواءهنّ؟ أن تتوبَ، ثمّ لا تعود.
التابعي الجليل الربيع بن خثيم -رحمه الله- - ملتقى الخطباء
الصورة الأولى: الربيع يغض بصره عن الحرام: إن إطلاق البصر سببٌ لأعظم الفتن، فكم فسد بسبب النظر من عابد! وكم انتكس بسببه من شباب وفتيات كانوا طائعين! وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة، والعياذ بالله! فالعين مِرآة القلب، فإذا غضَّ العبد بصره، غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره، أطلق القلب شهوته وإرادته، ونقش فيه صور تلك المبصَرات، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه في الدار الآخرة. ولذلك؛ كان السلف الصالح يبالغون في غضِّ البصر؛ حذرًا من فتنته، وخوفًا من الوقوع في عقوبته، فكان الربيع بن خُثَيْم يغضُّ بصره، فمرَّ به نسوة، فأطرق - أي: أمال رأسه إلى صدره - حتى ظنَّ النسوة أنه أعمى، فتعوذن بالله من العمى. التابعي الجليل الربيع بن خثيم -رحمه الله- - ملتقى الخطباء. وفي ذات يوم قِيلَ له: يا ربيع، لم لا تجلس في الطرقات مع الناس؟ فقال: أنا أخشى ألاَّ أردَّ السلام ولا أغضَّ بصري. هكذا يبالغ الربيع بالغضِّ، حتى يحافظ على قلبه الذي ربَّاه على الإيمان، فأين شباب اليوم من هذه الخصلة، التي هي غض البصر؟! أين الذين ينظرون إلى النساء المتبرِّجات في الطرقات والأسواق؟! أين الذين ينظرون إلى النساء من خلال الأفلام والمسلسلات والأغاني؟! أين الذين يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله إذ يسترقون النظرات إلى النساء؟!
الربيع بن خثيم - أرابيكا
وفي ذات يوم اشترى فرسًا بثلاثين ألفًا، فغزا عليها، ثم أرسل غلامه يحتشُّ، وقام يصلي وربط فرسه، فجاء الغلام، فقال: يا ربيع أين فرسك؟ قال: سرقت يا يسار، قال: وأنت تنظر إليها؟ قال: نعم يا يسار، إني كنت أناجي ربي - عز وجل - فلم يشغلني عن مناجاة ربي شيء اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه، اللهم إن كان غنيًّا، فاهده، وإن كان فقيرًا، فأغنِه (ثلاث مرات). سُرِق له فرس، والفرس يعادل في زماننا السيارة الحديثة الغالية الثمن، ومع ذلك دعا له بالخير! أما في زماننا، فهناك من المسلمين إذا سُرِق حذاؤه من المسجد، أقام الدنيا ولم يقعدها على السارق، ويبدأ يسبُّ ويشتم ويلعن ويدعو عليه بالهلاك! وهناك من يفعل مثلما فعل الربيع. فالربيع من خلال موقفه يخاطب المسلمين، فيقول لهم: اجعلوا قول الله – تعالى -: ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ ، شعاركم في مواجهة من اعتدى عليكم، وعوِّدوا ألسنتكم على الكلمة الطيبة، فالكلمة الطيبة صدقة.
وقد مَرَّ
بنا حضه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول في هذا المعني أيضًا: "أكرهُ أن أرى
شيئًا استُشهد عليه فلا أشهد أو أرى حاملةً فلا أعينها أو أرى مظلومًا فلا أنصره". فلم تكن هذه الأقوال
إلا تطبيقًا لما أتت به النصوص التي فهمها، وكان ينصح المسلمين بالنظر فيها
ودراستها؛ إذ نقرأ له في سياق نصوص أخرى نصائحه للمسلمين بالإلحاح في دراسة الآيات
والأحاديث والاجتهاد في استيعابها بمثل قوله: "لا كل ما أنزل على محمد أدركتم،
ولا كل ما تقرؤون تدرون ما هو! ". وكان
رأيه في الحديث الذي يدل على عمق الخبرة به: "إن مِن الحديث حديثًا له
ضوء كضوء النهار تعرفه، وإن من الحديث حديثًا له ظلمة الليل تنكره! ". ويذكر ابن سعد رحمه
الله أن الربيع مات بالكوفة في ولاية عبيد الله بن زياد عليها. إعلان
فكيف يتأتى إذن لهذه الأغاني أن تكون شعوراً إنسانياً كريماً، أو شعوراً حيوانياً وتلك بواعث القول والغناء عند هؤلاء وهؤلاء! ولكنني أغمط التأليف الغنائي حقه حين أسوي بين مستواه ومستوى التلحين والغناء في هذه الأيام، فنحن إذا تجاوزنا عن المؤلفين المحترمين الذين يطنون كالذباب حول المطربين والمطربات نجد آخرين من كرام الشعراء ومشهوري الأدباء قدموا بعض مقطوعاتهم للغناء، ولكنها خرجت من يدي الملحن جثثاً هامدة بعد إخضاعها للنغمات المحفوظة والترنيم الممجوج. برنامج معرفة المتصلين بشبكة النت الأجهزة المتصلة بالراوتر : gameseg. ولو سارت خطوات الموسيقى والتلحين في مصر على هدى خطوات الشعر، لكان لنا فن موسيقي محترم، ولكُنا شيئاً في رقعة العالم العريضة التي تموج بالفنون الحية، بينما نحن منها في الرميم. ولا زلت أذكر أن مطربة كبيرة مشهورة ذات صوت فريد في جوهره مستعد لأداء كل النغمات، كانت تغني في مناسبة بهيجة قطعة تفيض ألحانها غبطة، ولكني كنت أتصورها هناك وراء (الميكرفون) وهي تعتصر دموعها اعتصاراً وتنوح نوح المفجّع المكلوم! وإذا ذكرنا الأصوات فلنعترف مرة أخرى أن لدينا منها ثروة لم نحسن استغلالها بالتلحين، كما لم نحسن استغلال ثروة التأليف، فالتلحين هو علة العلل، لأنه جوهر الإحساس الفني وموجّه الأصوات والأنغام، وهو في أيدي هؤلاء الفارغين المشوهي الفطرة، بل في يد هذا الحطام الآدمي الذي لا يقوى على إحساس الآدميين.
برنامج معرفة المتصلين بشبكة النت الأجهزة المتصلة بالراوتر : Gameseg
وكل لفظ مؤدب عف لا يكفي لتصوير جريمة التلحين على بعض المطربات والمطربين، وعلى سبيل المثال أذكر المطربة (أسمهان) ففي جوهر صوت هذه المطربة تعبير عن لذة الغريزة وفورة الجنس، وهو في نظر المعدمين من التعبير السليم مثلنا مكسب كالكعكة في يد اليتيم! لأن السلامة الحيوانية مطلب من المطالب البعيدة عنا في عالم الغناء، ولكن التلحين الغشوم لم ينتبه إلى هذه الخاصة في ذلك الصوت، فما هي إلا أغنية أو أغنيتان فيهما حتى تتوارى وراء التلحين المريض الشائه والتكسرات المغشوشة التي ينفر منها حتى الحيوان السليم! وبعد فما كان لنا أن نأمل شيئاً في محترفي الغناء والتلحين، ولكن أملنا كله كما أسلفت في طبيعة هذه الأمة، وفي ضمائر القلة القليلة التي (لم تشرب من النهر) أن يثيرها الاشمئزاز من كل ما ترجعه الأوتار والحناجر في هذه الأيام، وأن تدفعها حوافز البشرية الحساسة، فتقوم بالدعاية الواجبة في كل مجتمع وكل صحيفة ضد هذا الزيف الكريه. ولقد حمدت للأستاذ (عبد الحميد يونس) المذيع بمحطة الإذاعة برنامجه المختار (نصف ساعة من الموسيقى الغربية) وهممت أن أرسل إليه - على غير معرفة - رسالة شكر وإعجاب بحسن اختياره للأسطوانات التي أذاعها لولا أن صرفتني عن ذلك بعض المشاغل العارضة.
فإن خرج (موسيقار مجدد) عن هذه الحدود، فإلى بعض الألحان الإفرنجية وبعض ألحان سيد درويش: سرقة واقتباساً وتمزيقاً وتشويهاً، ويا ليتها سرقة صريحة واضحة ولكنها (مرمطة) لهذه الألحان المسروقة حتى تلين وتتكسر وتتخلع وتناسب هذه الدغدغة الماجنة التي يدعونها تجديداً في التلحين. هذه وتلك آفاق المشتغلين بالموسيقى والغناء في مصر، فما تكون إذن (صور الكون في نفس إنسان وتبلور الحياة في حس فنان)؟ ما يكون هذا الكلام الذي يشبه المعميات والألغاز عند هذه النفوس الضعيفة الصغيرة، وهذه العقول المسكينة المحدودة؟! بلغتني قصة طريفة عن مولد قطعة غنائية يتميع بها شبان البلد وشوابه في هذه الأيام، ولست متأكداً من صحة جميع تفصيلات هذه القصة ولكنها ليست بعيدة التصديق ولا متعارضة مع المعروف عن هؤلاء (الفنانين)! قال مغني القطعة لمؤلفها: ما رأيك في (ما يهونش) ألا ترى أنها تكون (مؤثرة)؟ قال المؤلف: تكون!. قال المغني: وحياة أبيك تضع لنا عليها (طقطوقة)... فكان! هذه قصة لا أجزم بصحة تفصيلاتها هي بالذات ولكنها تتفق مع ما أجزم به من طريقة تأليف المقطوعات الغنائية وبواعثه وعن غناء هذه القطع وأسبابه في نفوس المؤلفين والمطربين، فليست هذه البواعث أحاسيس نفسية تبعث بالقطعة في نفس مؤلفها ألفاظاً وأوزاناً وفي نفس مغنيها نغمات وألحاناً.