ويعتبر عمل الشيخ علي عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» أول التعبيرات عن هذا الرأي. أعتقد أنه من الصعب الدفاع عن هذا الرأي، إن لجهة معرفتنا بتاريخ الإسلام أو لأن هذا التيار لا يساجل حول حداثة شعار «الإسلام دين ودولة»، إنما يذهب إلى نفي السياسة نفسها عن الإسلام الذي يفهمه في ضوء تصور معين للدين يقصره على العبادات فقط. يفهم هذا التيار الدين باعتباره مقتصراً على العبادات إذ تصبح المعاملات أمراً خارجياً لأي دين، والإسلام باعتباره ديناً يصبح مقتصراً على العبادات. العلمانية و فصل الدين عن الدولة Secularism and the separation of religion and state ~ العالم في سطور. البعد السياسي للإسلام
لكن هناك رأيا آخر داخل معسكر حداثة الشعار لا ينفي البعد السياسي عن التجربة التاريخية للإسلام ولكنه مع ذلك يقرر حداثة فكرة «الإسلام دين ودولة». هنا يدور السجال حول ماذا نفهم من «الدولة». الدولة هي مؤسسة تحتكر العنف الفيزيائي في شكل شرعي على أرضها، بما يتضمن أيضاً احتكارها السيادة التي تفترضها «شرعية» احتكار العنف. فكرتنا عن الدولة تمرّ عبر الإقليم (الوطن) الخاص بالدولة والذي يعيش عليه شعب الدولة، وأن الدولة تحتكر في شكل شرعي العنف داخل هذا الإقليم، وتملك تالياً حق السيادة بما تتضمنه من احتكارها حق القضاء والقانون (التشريع) وإقراره، ولاحقاً تقرير المصلحة العامة والحق العام وكل هذه الأمور.
العلمانية و فصل الدين عن الدولة Secularism And The Separation Of Religion And State ~ العالم في سطور
الموقف المدافع عن حداثة هذا الشعار يحيل على أن مفهوم الدولة المستخدم هو مفهوم حديث ولن نعثر على مقابل له في تراث الفكر السياسي الإسلامي التقليدي. في مقابل المعنى المُقيد للدولة، يستخدم المدافعون عن أصالة هذا الشعار معنى واسعاً لمفهوم الدولة، بل مفرطاً في سعته بحيث تتماهى «الدولة» مع «الإمامة». فيرون الدولة في كل تجربة حكم من دون أي اعتبار للتمييزات التاريخية بين أشكال الحكم المتباينة، وهكذا تصبح دولة المدينة دولة مثلها مثل أية دولة أخرى، دولة لويس الرابع عشر أو دولة الجمهورية الفرنسية الحديثة، وعليه فإنهم يسقطون على النصوص الكلاسيكية معاني معاصرة ومن دون تحوط لتاريخية المعنى. وهذا التوسع في استخدام مفهوم الدولة يقود إلى إشكاليات ناجمة عن جمع تصورات متباينة حول الدولة، حديثة وقبل حديثة. هنا يبدو ما قاله المرشد السابق للإخوان المسلمين الراحل مهدي عاكف حول قبوله بحكم ماليزي مسلم لمصر مثالاً معبراً عن هذه الإشكالية. فالمرشد يتحرك داخل أفق التصور ما قبل الحديث للدولة التي لا تتماهى مع إقليم/وطن وشعب الدولة، بل في أفق نظام الحكم الإسلامي التاريخي الذي لا يُحدد بالأرض، فأرض الإسلام هي كل أرض يحكمها حاكم مسلم وتُقام فيها الشريعة، وأمة الإسلام هم جمهور المسلمين في نظام من التراتبيات يجعل من المسلم، بمعزل عن أصله ونشاته، عضواً في أمة المسلمين، بينما يقف القبطي الذي عاش هو وآباؤه على هذه الأرض خارج أمة المسلمين التي هي أمة الدولة.
20
^ الحرية المسيحية والتحرر، مرجع سابق، ص. 61
^ الحرية المسيحية والتحرر، مرجع سابق، ص. 57
^ العام مئة، رسالة عامة للبابا يوحنا بولس الثاني، الترجمة العربية الرسمية عن مكتب اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، بيروت 1994، فقرة. 44
↑ أ ب العام المئة، مرجع سابق، فقرة. 46
^ الشؤون الحديثة، رسالة عامة للبابا ليون الثالث عشر، 1891، بالنسخة الصادرة بالعربية عن حركة عدالة ومحبة، بيروت 1995، ص. 83 فقرة. 8/ 3
^ Feldman (2009)
^ Elliott, Charles (1877) [1851]، Delineation of Roman Catholicism: Drawn from the authentic and acknowledged standards of the Church of Rome ، ص. 165، مؤرشف من الأصل في 6 يناير 2020. ^ Berman, Harold J. (1983)، Law and Revolution: The Formation of the Western Legal Tradition ، Harvard University Press، ISBN 0-674-51774-1 ، OCLC 185405865 ، مؤرشف من الأصل في 6 يناير 2020. ^ Madison to Schaeffer, 1821 ، 1865، ص. 242–43، مؤرشف من الأصل في 26 يناير 2020. ^ Bender, H. S. "The Anabaptists and Religious Liberty in the Sixteenth Century. " Mennonite Quarterly Review 29 (1955): 83–100.
إذا غامرت في شرف مروم
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ
فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ
كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ستَبكي شَجوهَا فَرَسي ومُهري
صَفائحُ دَمْعُها ماءُ الجُسُومِ
قُرِينَ النّارَ ثمّ نَشَأنَ فيهَا
كمَا نَشأ العَذارَى في النّعيمِ
وفارَقْنَ الصّياقِلَ مُخْلَصاتٍ
وأيْديهَا كَثيراتُ الكُلُومِ
يرَى الجُبَناءُ أنّ العَجزَ عَقْلٌ
وتِلكَ خَديعَةُ الطّبعِ اللّئيمِ
وكلّ شَجاعَةٍ في المَرْءِ تُغني
ولا مِثلَ الشّجاعَةِ في الحَكيمِ
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
ولكِنْ تأخُذُ الآذانُ مِنْهُ
على قَدَرِ القَرائحِ والعُلُومِ
أبو الطيب المتنبي - إذا غامرت في شرف مروم .. فلا تقنع بما دون النجوم ، فطعم... - حكم
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
سَتَبكي شَجوَها فَرَسي وَمُهري
صَفائِحُ دَمعُها ماءُ الجُسومِ
قَرَبنَ النارَ ثُمَّ نَشَأنَ فيها
كَما نَشَأَ العَذارى في النَعيمِ
وَفارَقنَ الصَياقِلَ مُخلَصاتٍ
وَأَيديها كَثيراتُ الكُلومِ
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني
وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحًا
وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ
وَلَكِن تَأخُذُ الآذانُ مِنهُ
عَلى قَدرِ القَرائِحِ وَالعُلومِ
من هنا جاءتْ فكرة مقالي هذا، فَحَرِيٌ بنا أنْ نُورِدَ شرحَ البيت الشعري المذكور. فالمغامرةُ: الدخولُ في المهالكِ والمغامرات: الشدائد، وفي شرفٍ: أي في طلبِ شرف، ومروم: مطلوب. يقول: إذا حاولت الوصول لشرف وخاطرت بنفسك في سبيلِ الحصول عليه فلا تقنع بما دون أعلاه، ولا ترضَ باليسيرِ منه، فإذا كان لكَ مَطمحٌ تُريدُ الوصول إليه فلْيكن مَطمحًا عظيمًا ؛ لأنك إنْ مُتَ وأنت تُحاولُ الوصول إليهِ أفضل من أنْ تموتَ وأنت تسعى للمطمحِ الهزيل والميتةُ واحدةٌ، وإذا كان ذلك كذلك، فلْتكن الميتةَ في سبيلِ هدفٍ رفيع. الطُّموحُ هو: السعيُ إلى تحقيقِ الأهدافِ والغاياتِ، أو هو: المستوى الذي يَرغبُ الفردُ في بلوغهِ، أو يشعرُ أنه قادرٌ على بلوغهِ، وهو يسعى لتحقيقِ أهدافهِ في الحياةِ وإنجاز أعمالهِ اليوميَة. و الطموح اللامحدود يَغِرسُ في الفردِ رُوحَ التحدي للعملِ الجاد ، ويُحفِّزه على التفكيرِ الإبداعي والتخطيطِ السليمِ؛ بهدَف الوصولِ لأهدافهِ التي رسَمها. فالطموحُ إذًا هو مَدخلٌ للنجاحِ؛ لأنه يُفجِّر في الشخصِ الطاقاتِ الكامنةَ، ويدفعهُ نحو استنفارِ كلِّ قُواهُ العقليةِ والبَدنيةِ والنفسيةِ، مِن أجلِ تحقيقِ غاياتهِ.