وقد سئل الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله:
" في هذا الدعاء: " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال
والإكرام " ، ما حكم كلمة تعاليت في هذا الدعاء ؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" الأفضل أن لا يقولها في هذا المكان ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقولها
في هذا المكان - إذا فرغ من الصلاة - بل كان يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام
تباركت يا ذا الجلال والإكرام ". وأما في غير هذا المكان ، فلا حرج أن يقول: تباركت ربنا وتعاليت ، وما أشبه ذلك ؛
لأن الجمع بين البركة والتعالي لم يرد منعٌ منه ، ولا يقتضي معنىً فاسداً ، لكن
الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم على صفةٍ معينة: الأفضل للإنسان أن
يلتزم بها ، وأن لا يزيد عليها ولا ينقص " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن
عثيمين. ثانياً:
لا نعلم ، بعد البحث ، أن للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتوى خاصة ، سئل فيها
عن لفظة ( وتعاليت) بعينها ، هل تقال في أذكار الصلاة أو لا ؟
لكن قد يفهم من عموم كلامه ، أن لفظة ( وتعاليت) ليست ثابتة عنده في ذلك الموضع ؛
وذلك لكونه لما بَيَّن ما يقال من الأذكار بعد الصلاة ، لم يذكر تلك اللفظة. فقد جاء على موقعه رحمه الله: بيان ما يقال بعد الصلاة من أذكار على هذا الرابط:
وجاء - أيضاً - في " فتاوى
نور على الدرب " لابن باز (9/161):
" يسكن معي في مكان العمل أخ في الإسلام مصري الجنسية ، ونصلي جماعة ونختلف بعد
الصلاة ؛ لأني أقول بعد الصلاة: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) اللهم
أنت السلام ومنك السلام ، أحينا ربنا بالسلام ، وأدخلنا الجنة دارك دار السلام ،
تباركت وتعاليت ، أستغفر الله العظيم من كل ذنب وأتوب إليه.
اللهم أنت السلام ومنك السلام..
والسلام الديني هو أحد أنواع هذا السلام المفتقد بين الديانات. فما لم يعلم رجال الدين أن التعاليم من مقاصدها السلام وسعادة الإنسان ووصال الله الخالق فلن تنتهي الاضطرابات والفتن الطائفية والأحقاد الدفينة، فما لم يتصف أهل الأديان بالتقوى وما لم يستبدلوا لغة التحريض بلغة الحوار مع الآخر نحو مقاصد عليا في تنـزيه الله عن كل نقص وعيب وتنـزيه تعاليمه من كل وحشية أو دناءة الأخلاق في أنبيائه فلن يحل السلام والوئام. وقد سعت تعاليم القرآن إلى هذا التنـزيه ودفع كل شبهة عن الله ورسله، وبدعوته أهل الكتاب إلى كلمة سواء بالحسنى، ونهيه عن مبدأ الإكراه في الدين وحرية الاعتقاد كمبدأ عام يسري على كل المعتقدات، فالإسلام على المستوى العملي أثبت للشعوب التي قبلته جدارته وقدَّم التعليم تلو التعليم بصورة لا تنافسه فيها أي ديانة أو فلسفة. وخير ما نختم به كلمتنا دعاء المصطفى.. اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وصلى اللهم على سيدنـا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
متى يقول الإمام: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت - محمد بن صالح العثيمين - طريق الإسلام
ثم يقول: اللهم أنت السلام ، السلام اسم من أسماء الله وهو يدل على السلامة، أن الله سالم من كل عيب ونقص في ذاته وأفعاله وصفاته، وكذلك أيضًا قد سلم وسلّم عباده من أن يظلمهم، فالله -تبارك وتعالى- ليس بظلام للعبيد، لا يظلم الناس شيئًا، فهذا كله داخل في معنى السلام. اللهم أنت السلام، ومنك السلام ، أن كل سلامة تطلب أو تحصل أو تقع للناس في أمورهم الدينية أو الدنيوية فإنما يكون ذلك من الله وحده، فمن رام السلامة فعليه أن يطلبها من مصدرها، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يسلم عباده من المخاوف والآفات، والأمور التي يطلبون السلامة منها، ومنك السلام.
فصل: قول: وإليك يعود السلام عقب قول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام في الأذكار عقب الصلاة:|نداء الإيمان
وهكذا علمنا الله أن نذكره بعد الفراغ من الحج: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]. فالإنسان يلهج بذكر الله ويستغفر ربه بعد الطاعات؛ خشية التقصير، وما يقع له من النقص؛ ولئلا ليلتفت إلى نفسه وعمله ويغتر بعبادته. "استغفر ثلاثًا"، والثلاث هنا لا شك أن ذلك يدل على الكمال، يعني في الكثرة، فأدنى الكمال ثلاث، ونحن متعبدون بهذه الأذكار من جهة الصيغة، ومن جهة العدد، ومن جهة المحل، هذه الأمور الثلاثة من جهة العدد فلا يزيد الإنسان يقول: أنا سأستغفر سبع مرات بعد الصلاة، نقول له: هذه بدعة، وهذا النوع من البدع يقال له: البدع الإضافية، أن يزيد في العدد المشروع يعني هذا ما هو ذكر مطلق حتى يقول: أنا والله سأستغفر في اليوم ما شئت، نقول: جيد، هذا من الذكر المطلق، لكن بعد الصلاة ثلاث مرات، لا يزيد الإنسان على ذلك. وهكذا في الصيغة لا يغير الإنسان الصيغ الواردة عن النبي ﷺ. وكذلك أيضًا المحل فذلك بعد الصلاة فلا يلتزم مثلاً الإنسان أن يستغفر ثلاثًا بعد الفراغ من العمرة مثلاً، أو حينما ينتهي الإنسان من السنة الراتبة، يستغفر ثلاثًا، أو حينما ينتهي من الوتر يستغفر ثلاثًا، يقول: أستغفر الله، فهذا لم يرد عن النبي ﷺ.
رواه البيهقي. وَقِيلَ في مَعْنَاهُ: السَّالِمُ مِنَ النَّقَائِصِ، وَصِفَاتِ المَخْلُوقِينَ. وَقِيلَ: المُسَلِّمُ عِبَادَهُ. وَقِيلَ: المُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ في الجَنَّةِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾. فَهُوَ تَبَارَكَ وتعالى: المُنَزَّهُ المُسَلَّمُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ؛ وَالسَّلَامَةُ تَحْصُلُ للنَّاسِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِهَذَا عِنْدَمَا يُسَلِّمُ الإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تعالى، يَدْعُو لَهُ بِالسَّلَامِ، وَالسَّلَامَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ اللهِ تعالى، وَتُطْلَبُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: «وَمِنْكَ السَّلَامُ» أَيْ: مِنْكَ يُرْجَى السَّلَامُ وَيُسْتَوْهَبُ، لَا مِنْ غَيْرِكَ، لِأَنَّكَ أَنْتَ السَّلَامُ الذي تُعْطِي السَّلَامَةَ، فَالكُلُّ مُفْتَقِرٌ إلى جَنَابِكَ بِأَنْ تُؤَمِّنَهُ وَتُسَلِّمَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَخَافُ مِنْهُ وَيَخْشَاهُ مِنَ المَخْلُوقَاتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَا يَخْشَاهُ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ القِيَامَةِ. قَوْلُهُ: «تَبَارَكْتَ» أَيْ: تَكَاثَرَ خَيْرُكَ في الدَّارَيْنِ، وَكَثُرَتْ بَرَكَتُكَ في عَالَمِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
فكانت شريعته الغرَّاء الأخيرة على النبي سفينة النجاة لإنقاذ الدنيا من هذا الفساد. لقد علمنا تعليمه طرق تأدية حقوق الله تعالى وحقوق العباد التي قد نسيها حتى أتباع الكتب المقدسة والشرائع السابقة بما لوثته أيديهم النجسة التي تجلت فيها بصمات الأحبار والرهبان بما تقشعر له الأبدان بتعاليم جائرة لا ترتضيها فطرة نوع الإنسان وليست من عند رب العالمين ولا من صفاته عز وجل مطلقا. فشتّان بين تعليم القرآن الكريم الذي قد بيَّن لنا كل نوعٍ من الأحكام المنصبغة بالتقوى والسلام ونوازع الخير وعلّمنا كيفية تأدية كل الحقوق، ولفت أنظارنا إلى ذلك الأمر الهام.. وبين ما عبثت به الأيادي غير الأمينة في الكتب المقدسة قليلا كان ذلك أم كثيرا!! لقد أعطى تعليم الإسلام الأمل بأن الإنسان يمكن أن يكون مظهرًا لصفات الله تعالى ثم يعكسها على الإنسانية المتعطشة لنور الحضرة الإلهية فيحل السلام على كل من هب ودبّ. فالتقوى واحة السلام وبذرة أشجاره المخضرة، وأثماره اليانعة، وأزهاره المُنوَّرَة. كما أن التقوى هي الأساس لكل أبواب السلام وهي الحصن الحصين لحماية الإنسان من كل سيئة وأذى.
ولما وصلت كتب الحجاج إلى عبد الرحمن جمع أصحابه وقال: أيّها الناس! إنّي لكم ناصح ولصلاحكم محب، ثم ذكر ما دار بينه وبين الحجاج عن طريق الكتب، وأنّه أمره بالتوغل في الحرب في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالاَمس. وقال: إنّما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم، وآبي إذا أبيتم. فثار إليه الناس فقالوا: لا بل نأبى على عدوّ اللّه، ولا نسمع له ولا نطيع.
عبد الرحمن بن الأشعث
وكان الحجاج يبغض ابن الأشعث ويقول: هو أهوج أحمق حسود، وأبوه الذي سلب أمير المؤمنين عثمان ثيابه وقاتله، ودل عبيد الله بن زياد على مسلم ين عقيل حتى قتله، وجده الأشعث ارتد عن الإسلام وما رأيته قط إلا هممت بقتله.
وقام عبد الموَمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانياً وكان على شرطته حين أقبل فقال: عباد اللّه إنّكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم مابقيتم، وجمّركم تجمير فرعون الجنود فإنّه بلغني أنّه أوّل من جمّر البعوث، ولن تعاينوا الاَحبة فيما أرى أو يموت أكثركم. بايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن بلادكم، فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه فقال: تبايعوني على خلع الحجاج عدوّ اللّه وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه اللّه من أرض العراق فبايعه الناس ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشيء. عبد الرحمن بن الأشعث. ثم إنّه خرج عبد الرحمن من سجستان مقبلاً إلى العراق فلمّا دخل فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: إنّا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة نبيّه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلّين. ثم بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين عبد الرحمن وجنود الحجاج، دخل عبد الرحمن البصرة، وبايعه الناس من كهولها وقرائها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وكان ذلك في آخر ذي الحجّة من سنة 81هـ، فصارت الحرب في ________________________________________ (272)
الحقيقة بين الشاميين يرأسهم الحجاج، والعراقيين يقودهم عبد الرحمن.