إن الفطرة السليمة توجه مؤشرات الأبناء تلقائيا في سن الطفولة إلي آبائهم وأمهاتهم, لكن هذه الفطرة تحتاج لكي تتعمق وتترسخ في النفوس إلي أن يرويها الآباء والأمهات بماء الحب والعطف والرعاية والمسئولية عن الأبناء, فإن لم يفعلوا ذلك تراجعت وانهزمت أمام جفاء الآباء والأمهات لأبنائهم ونبذهم لهم وتخليهم عن واجبهم الإنساني تجاههم.. ولا عجب في ذلك لأن حقوق الأبوة والأمومة لا تكتسب بالميلاد وحده.. عقوق الوالد لابنه! | موقع المسلم. وإنما بالرعاية والعطف والنهوض بالواجبات الإنسانية تجاه الأبناء.
ولقد جاء رجل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فاستدعي عمر الولد وعنفه علي عصيانه لأبيه فقال الولد: أليس للولد حقوق علي أبيه؟ فقال: بلي. قال ما هي: قال أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب وينشئه التنشئة الصالحة, فقال الولد: إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا, فقال عمر للرجل: جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
والمؤكد هو أن أباك قد عقك قبل أن يخلو قلبك من كل ذرة حب له, وأنه قد جني بذلك حصاد ما غرسه في أرضك الصغيرة من الإنكار والمباعدة.. والتخلي عن كل الواجبات الإنسانية تجاهك, لهذا فإن أباك الحقيقي هو هذا الخال الطيب العطوف الذي نهض بمسئوليتك الإنسانية وقام عن أبيك بكل واجباته تجاهك ولم يدخر وسعا في إشعارك بعزتك كابن عزيز له.
عقوق الوالد لابنه! | موقع المسلم
وقال أيضًا: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5-6] ؛ أي: أي مرضيًا في أخلاقه وأفعاله [3]. وبحفظ الذرية دعت أم مريم ربها فقالت: ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]، وقال تعالى عن عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [الفرقان: 74]. قال الحسن البصري: ليس هناك ما هو أقر للعين من أن يرى الرجل ولده مطيعًا لله" [4]. فهذه الآيات كلها ترشد إلى أن الدعاء من أسباب صلاح الأبناء، فمن غلب على تربية أبنائه فليتضرع إلى الله. فالأولاد فتنة، بنص قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15]، ولا منجاة من هذه الفتنة إلا بدعاء الله تعالى والتضرع إليه. وصلاح الأبناء يتجلى في مظهرين:
أولهما: طاعة الله تبارك الله تعالى، وطاعته تتجلى في: فعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه، وذلك يستلزم: تربية الولد، وتعليمه ما ينفعه في دينه ودنياه، حتى يحصل له النفع، ويعظم به الانتفاع، عملًا بقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، قالَ عليُّ رَضِيَ اللهُ عنه: أي: علِّموهُم وأدِّبوهُم [5].
ولا تعجل باللوم عليَّ أيها الوالد إذ أذكرك بحق ولدك عليك، فإننا إن أهملنا ذلك الجانب فلا عيب على الأولاد إن وجد فيهم العاق والمتمرد والمنحرف والحاقد والمكتئب والمعاند، وقد لا ننتبه لذلك إلا بعد فوات الأوان..... فالقضية مشتركة فإن هناك كثيراً من الأسر والمجتمعات تعاني من هذه المآسي ومن هذه الأوضاع والمشكلات تجاه أولادها فكل أمل الوالد أن يرى فلذة كبده في خير حال من الصلاح والاستقامة وحسن الخلق، فكيف نخطو إلى هذه المرتبة ونحن لاهين عن أولادنا. إن ثمَّ خللاً في أساسيات تربية أبنائنا لا يكاد بيت من بيوتنا يبرأ منه، فالمراقبة والمتابعة والموادعة والرفق والمصاحبة والثقة والعطاء وإعطاء الفرص وغيرها من المعاني الأساسية في التربية تكاد أن تغيب عنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" البخاري، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه رضوان الله عليهم: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم" البخاري. فالأب منهمك خارج البيت للعمل وتحصيل الرزق وعندما يعود لا يرى أمامه إلا النواقص ولا يسأل عن شيء إلا عن بضع ساعات نوم يريح بدنه من هذا العذاب، يقوم بعدها فزعا عندما يرى تقصيرا أو انحرافا!
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer
Powered by vBulletin® Version 4. 2. 5 Copyright © 2022 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. المواضيع المنشوره لاتعبر بأي شكل من الأشكال عن سياسة الموقع والأدارة, وكل عضو مسؤول عن عضويته ومايصدر منها
قوانين المنتديات العامة
Google+
متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة غافر - الآية 18
______________
- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ مجلدات ، طبع مصر ١٣٩ هـ. - مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ. - لسا = لسان العرب لابن منظور ، 15 مجلداً ، طبع بيروت 1376 هـ. - مفر = المفردات في غريب القرآن للراغب ، طبع ١٣٣٤ هـ. - أسا = أساس البلاغة للزمخشري ، طبع مصر ،. ١٩٦ م.
المسألة الثانية: " كاشفة " صفة لمؤنث أي: نفس كاشفة ، وقيل: هي للمبالغة كما في العلامة وعلى هذا لا يقال بأنه نفي أن يكون لها كاشفة بصيغة المبالغة ، ولا يلزم من الكاشف الفائق نفي نفس الكاشف ؛ لأنا نقول: لو كشفها أحد لكان كاشفا بالوجه الكامل ، فلا كاشف لها ولا يكشفها أحد ، وهو كقوله تعالى: ( وما أنا بظلام للعبيد) [ ق: 29] من حيث نفي كونه ظالما مبالغا ، ولا يلزم منه نفي كونه ظالما ، وقلنا هناك: إنه لو ظلم عبيده الضعفاء بغير حق لكان في غاية الظلم وليس في غاية الظلم فلا يظلمهم أصلا. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة غافر - الآية 18. المسألة الثالثة: إذا قلت: إن معناه ليس لها نفس كاشفة ، فقوله: ( من دون الله) استثناء على الأشهر من الأقوال ، فيكون الله تعالى نفسا لها كاشفة ؟ نقول: الجواب عنه من وجوه:
الأول: لا فساد في ذلك قال الله تعالى: ( ولا أعلم ما في نفسك) [ المائدة: 116] حكاية عن عيسى عليه السلام والمعنى الحقيقة. الثاني: ليس هو صريح الاستثناء فيجوز فيه أن لا يكون نفسا. الثالث: الاستثناء الكاشف المبالغ. [ ص: 25]