[٨] يُخبر الله -تعالى- في هذه الآيات عن حال المنافقين الذين والوا الكفّار وأظهروا لهم المودّة، وأخفوا كفرهم فأظهروا الإيمان وحلفوا عليه أيمانًا باطلة يظنون أنّها ستنجيهم من عذاب الله الذي سيقع عليهم ويلازمهم في الآخرة، ولن تكون أموالهم ولا أولادهم بمخلّصيهم منه. [٩] كما أنّهم في الآخرة سيحلفون لله -تعالى- بأنّهم مؤمنين كما حلفوا في الدنيا، وذلك لظنّهم بأنّ هذا يُنجيهم، ولكن هيهات فهؤلاء من جماعة الشيطان الذين خسروا دينهم وأنفسهم وباعوها بثمنٍ بخس.
- تفسير سوره المجادله العريفي
- اذا انكر المدعى عليه الحلقة
تفسير سوره المجادله العريفي
يا أيها الذين آمنوا الله واتبعوا رسوله,
إذا تحدثتم فيما بينكم سرا, فلا تتحدثوا بما فيه إثم من القول, أو بما هو عدوان
على غيركم, أو مخالفة لأمر الرسول, وتحدثوا بما فيه خير وطاعة وإحسان, وخافوا
الله بامتثالكم أوامره واجتنابكم نواهيه, فإليه وحده مرجعكم بجميع أعمالكم
وأقولكم التي أحصاها عليكم, وسيجازيكم بها. صفحة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - تفسير جزء المجادلة. إنما التحدث خفية بالإثم والعدوان من وسوسة للشيطان, فهو المزين لها,
والعامل عليها; ليدخل الحزن على قلب المؤمنين, وليس ذلك بمؤذي المؤمنين شيئا إلا
بمشيئة الله تعالى وإرادته. وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به
يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله واهتدوا
بهديه, إذا طلب منكم أن يوسع بعضكم لبعض المجالس فاسعوا يوسع الله عليكم في الدنيا
والآخرة, وإذا طلب منكم- أيها المؤمنون أن تقوموا من مجالسكم لأمر من الأمور التي
يكون فيها خير لكم فقوموا, يرفع الله مكانة المؤمنين المخلصين منكم, ويرفع مكانة
أهل العلم درجات كثيرة في الثواب ومراتب الرضوان, والله تعالى خبير بأعمالكم لا
يخفى عليه شيء منها, وهو مجازيكم عليها. وفي الآية تنويه بمكانه العلماء وفضلهم, يرفع درجاتهم. يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله,
إذا أرتم أن تكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا بينكم وبينه, فقدموا قبل
ذلك صدقة لأهل الحاجة, ذلك خير لكم لما فيه من الثواب, وأزكى لقلوبكم من المآثم,
فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فلا حرح عليكم فإن الله غفور لعباده المؤمنين, رحيم بهم.
ومنها: أنه لا يصلح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار، كما لا يصح طلاقها، سواء نجز ذلك أو علقه. ومنها: أن الظهار محرم، لأن الله سماه منكرا [من القول] وزورا. ومنها: تنبيه الله على وجه الحكم وحكمته، لأن الله تعالى قال: { مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} ومنها: أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويسميها باسم محارمه، كقوله { يا أمي} { يا أختي} ونحوه، لأن ذلك يشبه المحرم. ومنها: أن الكفارة إنما تجب بالعود لما قال المظاهر، على اختلاف القولين السابقين، لا بمجرد الظهار. ومنها: أنه يجزئ في كفارة الرقبة، الصغير والكبير، والذكر والأنثى، لإطلاق الآية في ذلك. تفسير سوره المجادله العريفي. ومنها: أنه يجب إخراجها إن كانت عتقا أو صياما قبل المسيس، كما قيده الله. بخلاف كفارة الإطعام، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها. ومنها: أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس، أن ذلك أدعى لإخراجها، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع، وعلم أنه لا يمكن من ذلك إلا بعد الكفارة، بادر لإخراجها. ومنها: أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا، فلو جمع طعام ستين مسكينا، ودفعها لواحد أو أكثر من ذلك، دون الستين لم يجز ذلك، لأن الله قال: { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}
...
صفحات أخرى من الفصل: الكلام في كتاب قاض إلى قاض
مسائل ثلاث
المسألة الاولى
(حكم ما لو أقر المحكوم عليه أو أنكر)
قال المحقق: «إذا أقرّ المحكوم عليه وأنه هو المشهود عليه أُلزم، ولو أنكر وكانت الشهادة بوصف يحتمل الإتفاق غالباً، فالقول قوله مع يمينه ما لم يقم المدّعي بينة، وإن كان الوصف ممّا يتعذّر اتفاقه إلا نادراً لم يلتفت إلى إنكاره، لأنه خلاف الظاهر»(1). أقول: لما قامت الشهادة، فإما يقرّ المحكوم عليه وأنه هو المشهود عليه، فيلزمه الحاكم بأداء ما عليه بلا إشكال، وبلا خلاف كما في (الجواهر)(2). وإما ينكر، وحينئذ، فإن كانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق عليه وعلى غيره ـ كما لو جاء في الشهادة على الحكم بأن محمد بن أحمد مدين لفلان كذا، فإنه يحتمل الإتفاق على هذا الشخص وعلى غيره بكثرة ـ سمع قوله مع يمينه، إلا إذا أقام المدّعي بيّنة على أن هذا هو المقصود. حكم اليمين في إثبات الدعوى؟. وعن بعضهم: بطلان أصل الحكم على عنوان مشترك، كما في المثال المذكور. وإن كانت الشهادة بوصف يتعذر اتفاقه إلا نادراً ـ كما إذا قالت بأن فلان ابن فلان صاحب الصفة الكذائية والمهنة الفلانية ـ لم يلتفت إلى إنكاره الحكم عليه، بلاخلاف بين من تعرّض لذلك كما في (الجواهر)، وذلك لأنه خلاف الظاهر.
اذا انكر المدعى عليه الحلقة
ومن يدعي خلاف ذلك، وينكر وجودها، ويثير الشبه حول هذا الظاهر، فهو المدعي. البينة على من إدعى و اليمين على من أنكر - حُماة الحق. ولذلك، كان جانب المدعي ضعيفًا؛ لأنه يدعي خلاف الظاهر؛ ولذلك؛ كلفه الشرع بأن يثبت هذا بالبينات القوية؛ لأن جانبه ضعيف، وكان جانب المدعى عليه قويا؛ لأن قوله يوافق الظاهر. ولذلك؛ كلفه الشرع باليمين فقط. وهو شيء سهل قال صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر))، وفي رواية: ((واليمين على المدعى عليه))، وبالتعريف الثاني قال الشافعية، والأزهر، والزيدية، وقول عند الحنفية، والحنابلة، والمالكية.
فيه الحكم على دعوى، ولا يملك المقذوف أو المقذوفة حق إسقاطه والعفو عن القاذف إذا ثبت القذف عند القاضي لا يشترط لإقامة حده دعوى عنده. [بيان أن البينة علي المدعى واليمين على من أنكر] قلنا: إن البينة إنما هي الشهود وسموا بذلك لأن الحق يستبين بشهادتهم ويظهر، وإنما يكلف بإقامة البينة المدعى، الذي يدعي حقاً على غيره ليثبت دعواه، وإنما جعلت البينة عليه لأن جانبه ضعيف، إذ إنه يدعى خلاف الأصل، إذ الأصل في الناس براءة ذممهم حتى تثبت إدانتهم. لذلك كلف المدعى بالبينة، وهي حجته في ثبوت حقه. واليمين وهو الحلف بالله تعالى، أو بصفة من صفاته، وقد جعله الدين على المدعى عليه، ينفي به الدعوى عن نفسه، وإنما كلف المدعى عله باليمين، لأن جانبه قوي، إذ هو مؤيد بالبراءة الأصلية: كما قلنا، فاكتفي منه باليمين، وهو حجة ضعيفة. اذا انكر المدعى عليه الصلاة. ودليل هذا التوزيع بين المدعى والمدعى عليه، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " البينة على المدعى واليمين علي من أنكر ". (رواه البيهقي) [8/ 123] في القسامة. وقد سبق حديث البخاري [4277] ومسلم [1711] عن ابن عباس رضي الله عنهما: "... ولكن اليمين على المدعى عليه ". وحديث مسلم [138] عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ".