الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير
هذا رابع استئناف من الأربعة المتقدمة رجوع إلى الاستدلال على عظيم القدرة في مختلف المصنوعات من العوالم لتقرير إمكانية البعث وتقريب حصوله إلى عقول منكريه لأن تعدد صور إيجاد المخلوقات وكيفياته من ابتدائها عن عدم أو من إعادتها بعد انعدامها ويتطور وبدونه مما يزيد إمكان البعث وضوحا عند منكريه ، فموقع هذه الآية كموقع قوله الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ونظائرها كما تقدم; ولذلك جاءت فاتحتها على أسلوب فواتح نظائرها وهذا ما يؤذن به تعقيبها بقوله ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون الآية. ثم قوله الله الذي خلقكم مبتدأ وصفة ، وقوله يخلق ما يشاء هو الخبر ، أي يخلق ما يشاء مما أخبر به وأنتم تنكرون. والضعف بضم الضاد في الآية وهو أفصح وهو لغة قريش. ويجوز في ضاده الفتح وهو لغة تميم. وروى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قرأتها على رسول الله ( الذي خلقكم من ضعف) يعني لفتح الضاد فأقرأني ( من ضعف) يعني بضم الضاد. وقرأ الجمهور ألفاظ ضعف الثلاثة بضم الضاد في الثلاثة. وقرأها عاصم وحمزة بفتح الضاد ، فلهما سند لا محالة يعارض حديث ابن عمر.
164 الربع المائة وأربع وستون الله الذي خلقكم من ضعف - Youtube
فـ عبد الله بن عمر قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم: ( الله الذي خلقكم من ضَعْف) فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ضُعْفٍ) وإن كانت هذه قراءة صحيحة وهذه قراءة صحيحة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بعض أصحابه بقراءة والبعض الآخر بقراءة، والكل كلام رب العالمين سبحانه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف)، فكلا القراءتين جائز، ولكن الغرض بيان: سبب اختيار حفص لهذه القراءة على القراءة الأخرى؟ فعلمنا أن اختيارها كان بسبب الحديث المتقدم، والحديث حسنه الترمذي وأيضاً حسنه الألباني. قال العلماء: الضعف يكون بالضم: الضُعف، ويكون بالفتح: الضَعف، على الخلاف الذي بين القراءتين، فالضعف بالفتح يكون في الرأي، وبالضم يكون في الجسد، وهذا صحيح، وإن كان كلٌ منهما يعطي المعنى الآخر، فالمعنى على القراءة بالفتح: كنتم في ضَعف، أي: في العقول وفي الآراء، إذ المعلوم أن الصبي الصغير لا عقل عنده، وإن كان فيه عقل يميز ولكنه لا يكلف بهذا العقل قطعاً؛ لأنه غير سوي وغير مكتمل، وهو ما نعني بالضعف، وعلى ذلك ستخُصَ القوة في قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً [الروم:54] بالقوة في الرأي، والمعنى: صار بالغاً عاقلاً مكلفاً يفهم الأشياء، ذا خبرة في الحياة.
ص4 - كتاب تفسير أحمد حطيبة - تفسير قوله تعالى الله الذي خلقكم من ضعف - المكتبة الشاملة
۞ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) قوله تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير. قوله تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ذكر استدلالا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر. ومعنى: من ضعف من نطفة ضعيفة. وقيل: من ضعف أي في حال ضعف; وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر. وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا. ثم جعل من بعد ضعف قوة يعني الشبيبة. ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يعني الهرم. وقرأ عاصم وحمزة: بفتح الضاد فيهن ، الباقون بالضم ، لغتان ، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجحدري: من ضعف ثم جعل من بعد ضعف بالفتح فيهما; ( ضعفا) بالضم خاصة. أراد أن يجمع بين اللغتين. قال الفراء: الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم. الجوهري: الضعف ، والضعف: خلاف القوة. وقيل: الضعف بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسد; ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع: أنه يبتاع وفي عقدته ضعف.
وتنقل الإنسان بين هذه المراحل بدون اختياره يدل أن هناك قدرة مدبرة ذات مشيئة وإرادة، قال تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الروم:54] سبحانه وتعالى، كما أن ضعف الإنسان ملازم له لا ينفك عنه، فإن كان ضعيفاً فالذي يرزقه هو الله سبحانه وتعالى، وإن كان قوياً فالذي يرزقه هو الله سبحانه وتعالى، ولذا ينبغي على الإنسان أن يكون دائماً وأبداً متوكلاً على ربه سبحانه، وليثق بالرب الذي أطعمه وهو في بطن أمه، وأطعمه وهو صبي صغير، فهو الذي يعطيه حتى يتوفاه سبحانه وتعالى.