وإنك إذا ذهبت تبحث وتوسَّعت في البحث وجدت هذا النظام يتعدى ما ذكرنا فيشمل ما يُسمُّونه بالجمادات وغير ذلك مما تشهده ويقع نظرك عليه، فمن كل شيء خلق الله تعالى زوجين اثنين وجعل بينهما تآلفاً وتجاذباً، وجعل لكل منهما ما يناسبه ويحتاج إليه لتنظيم الحياة، وليستمر الوجود والبقاء، ولتتم عليك النعمة والإحسان، فما أرحم الخالق العظيم بنا، وما أكبر ما تفضَّل به علينا جميعاً!. وبعد أن بيَّنت لنا الآية السابقة ذلك النظام البديع، أرادت الآية التالية أن تعرِّفنا بأن لهذه المخلوقات وظائف وأعمالاً مختلفة، وأنه تعالى ما خلق مخلوقاً عبثاً، ولذلك قال تعالى:
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}:
وشتى: بمعنى مختلف، متنوِّع، فلكل مخلوق سعيه ووظيفته، فالجمل يحمل، والخيل والبغال تجر، والبقر يحرث، والضأن يأتيك بالصوف واللبن، والدجاج ينتج البيض، والضبع ينظِّف الفلاة من الجيف ليحافظ الجو على صفائه ونقاوة هوائه، والكلب يحرس، والهر ينظِّف المنازل من الحشرات، والنحل يجني العسل ويُلقِّح الأزهار، ويطول بنا الشرح إذا أردنا أن نأتي على ذكر كل مخلوق أو حيوان. فما من مخلوق إلا وله وظيفته الخاصة به، وما من مخلوق إلاَّ وله الأعضاء المتناسبة مع وظيفته، والغرائز التي يهتدي بها إلى كيفية سيره في حياته.
- والليل إذا يغشى | معرفة الله | علم وعَمل
- والليل اذا يغشى
- التفريغ النصي - واحة القرآن - سورة الليل - للشيخ عبد الحي يوسف
والليل إذا يغشى | معرفة الله | علم وعَمل
{ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} إن كانت " ما " موصولة، كان إقسامًا بنفسه الكريمة الموصوفة، بأنه خالق الذكور والإناث، وإن كانت مصدرية، كان قسمًا بخلقه للذكر والأنثى، وكمال حكمته في ذلك أن خلق من كل صنف من الحيوانات التي يريد بقاءها ذكرًا وأنثى، ليبقى النوع ولا يضمحل، وقاد كلا منهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة ، وجعل كلًا منهما مناسبًا للآخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}هذا [هو] المقسم عليه أي: إن سعيكم أيها المكلفون لمتفاوت تفاوتا كثيًرا، وذلك بحسب تفاوت نفس الأعمال ومقدارها والنشاط فيها، وبحسب الغاية المقصودة بتلك الأعمال، هل هو وجه الله الأعلى الباقي؟ فيبقى السعي له ببقائه، وينتفع به صاحبه، أم هي غاية مضمحلة فانية، فيبطل السعي ببطلانها، ويضمحل باضمحلالها؟ #أبو_الهيثم #مع_القرآن
12
0
2, 175
والليل اذا يغشى
ولذلك فإن وجود هذا القسم بالليل وبهذه الصياغة: ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى)، هو دليل على أن صاحب هذا القسم يرى الكون من فوق، أي هو خالق الكون عز وجل. والدليل على ذلك أن الناس في زمن نزول القرآن لم يكونوا يفرقون بين الليل والنهار علمياً. فكما نعلم فإن النهار هو الضوء وهو عبارة عن "فوتونات" بينما الظلام هو غياب هذه الفوتونات الضوئية. وبالتالي فإن القرآن عندما يستخدم كلمة ( يَغْشَى) مع الليل فهذا استخدام صحيح علمياً لأن الليل بالفعل يحيط بالضوء من كل جوانبه. بينما نجد أن هذه الكلمة لا تُستخدم مع النهار أبداً، أي أن الله تعالى لم يقل "والنهار إذا يغشى" بل قال: ( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) ليدلنا على أن النهار أو الضوء يزيح الظلام ويبعده ويأخذ مكانه، وهذا بالضبط ما يحدث. إذاً كلمات القرآن دقيقة من الناحية العلمية. التفريغ النصي - واحة القرآن - سورة الليل - للشيخ عبد الحي يوسف. صورة بالأبعاد الحقيقية للأرض والقمر، تأملوا معي كيف أن الظلام يغشى الحجم الأكبر وبالتالي يناسبه كلمة (يغشى)، أما الضوء (أو النهار) فلا يشغل إلا مساحة صغيرة جداً، وبالتالي تناسبه كلمة (تجلى). وتحضرني قصة طريفة عن دقة كلمات القرآن عندما جاء أحد الملحدين الغربيين إلى عالم مسلم وقال له إن كتابكم يحوي خطأً كبيراً؟ فقال له العالم المسلم ما هو؟ فقال: إن كتابكم يقول: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141]، وقد جعل الله لنا سبيلاً عليكم فنحن نتفوق عليكم في جميع المجالات ونسيطر عليكم وعلى أمم الأرض سيطرة تامة؟ فقال العالم المسلم: صدق الله سبحانه وتعالى!
التفريغ النصي - واحة القرآن - سورة الليل - للشيخ عبد الحي يوسف
فأنتم كفار ونحن مسلمون ولسنا بمؤمنين!! ولو كنا مؤمنين حق الإيمان لما استطعتم أن تسيطروا علينا!! ولو أن الله تعالى قال: " على المسلمين" لكان كلامك صحيحاً ، ولكنه قال: (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) والمسلمون اليوم كثير، ولكن المؤمنين قليل! وهكذا لو تأملنا أي كلمة في كتاب الله تعالى لوجدنا أنه لا يمكن إبدالها بأي كلمة أخرى، وهذا دليل مادي على أن هذا القرآن ليس كلام بشر، يقول تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82]. ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
هذا قسم من الله بالزمان الذي تقع فيه أفعال العباد على تفاوت أحوالهم، فقال: { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [أي: يعم] الخلق بظلامه، فيسكن كل إلى مأواه ومسكنه، ويستريح العباد من الكد والتعب.