فأعلن صلى الله عليه وسلم من خلال خطبه بمكة مبادئ الإسلام، ومما أعلنه وحدانية الله تعالى وقدرته على نصر جنده المؤمنين وإعزازهم، وإسقاط نخوة الجاهلية وتعاظمها بآبائها، وبين أن الناس سواسية في الإسلام وأن أكرمهم عند الله أتقاهم له، وأن دماءهم متكافئة، لا فرق بين شريف ووضيع، وأن رابطتهم هي الإسلام وبه يكونون يدًا واحدة على من سواهم. كما ألغى ما كان سائدًا في الجاهلية من التحالفات والأحزاب المخالفة للشريعة فلا تعاون ولا تناصر إلا على البر والتقوى. من نتائج فتح مكة المكرمة تطهير المسجد النبوي من الاوثان والاصنام - مجلة أوراق. وكذلك أعاد بناء المجتمع الجديد في مكة على أساس عقيدة التوحيد، وأقام الشرائع والأحكام فيها على شريعة الله، وتنفيذ حدود الله، وذلك من لوازم إقامة الدين [3] ، فذكر في خطبه بعض الأحكام التشريعية [4] ، فحدد دية القتلى وحرم الخمر، كما تم تنفيذ بعض الأحكام الشرعية أثناء وجوده صلى الله عليه وسلم بمكة، فودى قتيلا ثم بين أن أهل القتيل بالخيار بين دم قتيلهم أو ديته. وأقام حد القطع لامرأة مخزومية [5] سرقت، وشدد في الإنكار على الشفاعة في الحدود بعد بلوغها الإمام، وبين أن سنة الله تعالى في قيام الأمم واستقرار المجتمعات، منوط بإقرار العدالة، وترك المجاملة في إقامة حدود الله على من وجبت عليه، ولو كان قويا أو عظيما [6] ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد.
من نتائج فتح مكة المكرمة تطهير المسجد النبوي من الاوثان والاصنام - مجلة أوراق
[1] بتصرف، قراءة جديدة للسيرة النبوية 351. [2] سورة الأحزاب الآيتين 45-46. [3] انظر الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة: عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي ص 89، دار طيبة للنشر والتوزيع الرياض ط: 2، 1409هـ. [4] ستأتي لاحقا بإذن الله في الحديث عن الدروس المتعلقة بالشريعة. [5] ذكر الحافظ ابن حجر أن اسمها على الصحيح: فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن مخزوم بنت أخي أبي سلمة رضي الله عنه (الذي كان زوج أم سلمة قبل الرسول صلى الله عليه وسلم)، قتل أبوها كافرا يوم بدر قتله حمزة رضي الله عنه. بتصرف، الاستيعاب 4/386، وفتح الباري 12/ 88 ح 6788. [6] بتصرف، السنن الإلهية في الأمم والأفراد والجماعات ص 123. [7] سنن ابن ماجه كتاب الحدود باب إقامة الحدود ح 2540 2/849، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/78 ح 2058. [8] وتتمة الحديث (.. فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) كتاب المغازي باب 53 (لم يترجم له) 5/96 واللفظ له، وصحيح مسلم كتاب الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود 3/1315 ح 1688، وفي رواية: فعاذت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لو كانت فاطمة..... الخ.
لا تأخذكم في الله لومة لائم)) [7]. روى الإمام البخاري رحمه الله:
(أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه،.. فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (( أتكلمني في حد من حدود الله؟))، قال أسامة: فاستغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: (( أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها))، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة، فقُطعت يدها) [8].