عام الحزن:
ويقضي الله الذي لا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّب لحكمه، أن يفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذين الوزيرَيْن أحوج ما يكون إليهما، بعد أن قاما مُخلِصَين بعبءٍ عظيم في كفاح الدعوة، وأبليا فيها بلاءً حسنًا إلى أجلٍ مسمًّى، وتوفَّاهما الذي يتوفَّى الأنفُسَ حين موتها في شهر واحد، بعد شقِّ الصحيفة الظالمة، وفكِّ الحصار الذي استمرَّ سنتين أو ثلاثًا، وكان أثرًا من آثار الصراع بين الحق والباطل، وقبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات أو نحوها! من هو ابو طالب وطالبة. فلا عجب أن يعظُمَ حزنُه عليهما، وأن يُسمِّي سنة وفاتهما عامَ الحزن! وأن يستقبل بعدهما أهوالاً جِسامًا! بذل قصارى جهده - صلى الله عليه وسلم - في هداية عمه:
وأشدَّ أسباب حزنه - فيما نَعتقِد - موت عمه أبي طالب على مِلَّة عبدالمطلب، وكان يرجو كلَّ الرجاء أن يموتَ على مِلَّة إبراهيم حنيفًا؛ ذلك بأنه - صلوات الله وسلامه عليه - المثلُ الأعلى للإسلام في كل ما يدعو إليه من مكارم الأخلاق، وفي مقدمتها حِفْظ الجميل وحُسْن الجزاء، وإذًا فلا مناصَ من أن يَبْذُل قصارى جهده في هداية عمِّه؛ ليكون معه في الذين أَنعم الله عليهم من النبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين، وفي ذلك قرَّة عينه، ووفاءُ دَينه، وجزاء عمِّه، وأنعِم به جزاء!
من هو ابو طالب طيبة
جزاء الصالحات (3) [1]
قصة أبي طالب [2] (1)
عن العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - قال للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ما أغنيتَ عن عمك؟ فإنه كان يَحوطك ويَغضَبُ لك، قال: ((هو في ضَحْضاحٍ من نار، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار)) [3]. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وذُكِر عنده عمه أبو طالب، فقال: ((لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيُجعَل في ضحضاح من النار يَبلُغ كعبيه، يغلي منه دماغه))؛ رواه الشيخان، واللفظ للبخاري [4]. المفردات:
• حاطه: يحوطه حوطًا وحياطة: صانهَ وحفِظه وذبَّ عنه، وتوفَّر على مصالحه. من مقامات أبي طالب ( عليه السلام ) - منتدى الكفيل. • والضَّحضاح: ما رقَّ من الماء على وجْه الأرض إلى نحو الكعبين، واستُعير هنا للنار. • والدَّرك: قَعْر جهنم وطبقتها السفلى، وفتح الراء وإسكانها قراءتان سَبْعيَّتان. قصة عجيبة:
لهذه القصة العجيبة صِلةٌ أي صِلة ببحثنا السابق "جزاء الصالحات"، نرجو من الله أن يجعلها عونًا لإتمام هذا البحث، كما نرجو أن ينفعنا بما فيها من عِبرٍ وعِظات! أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين أدركوا الإسلام:
أدرك الإسلامَ من أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - الاثني عشر أربعةٌ؛ استجاب له منهم سيد الشهداء وأبو الخلفاء: حمزة والعباس، ولكلٍّ منهما في الإسلام ونُصْرةِ النبي - عليه الصلاة والسلام - بلاءٌ عظيم، ومقام كريم - عليهما رضوان الله.
من هو ابو طالب وطالبة
فلا يهمنَّك " أسنى المطالب في نَجَاة أبي طالب " [6] ، بل اهتمَّ إن شئتَ بترجمته في " الإصابة "؛ لابن حجر [7] ، وحَسْبُك ما فيه من حُجَجٍ دوامغَ! عظات وعبر:
ألا وإن خيرًا من المجادلة في الحق بعد ما تبيَّن أن تتلمَّس وجوهَ العِظة والعِبرة في هذا الصُّنع الإلهي، فلعلَّنا نجد فيه تفسيرًا عمليًّا لقوله - جل سلطانه -: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128]، وقوله - تعالى شأنه -: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 188]، ثم قوله - تباركت آلاؤه -: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]. هذا إلى ما ذكره فقهاء السيرة النبويَّة وحكماؤها من الحِكَم الإلهَية البالغة، في مبادرة الأباعد إلى الإيمان به دون الأقارب، وأنَّ ذلك من أعلام نبوَّته - صلى الله عليه وسلم -ولعلنا نقول مقالة الذين نزع الله ما في صدورهم من غلٍّ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].
خامساً: مقام ابي طالب عند الله:
ابو طالب الشفيع المُشفًَع يوم القيامه: سأل أحدهم الإمام علياً «عليه السلام» في رحبة الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين، إنك بالمكان الذي أنزلك الله، وأبوك معذب في النار؟! فقال له: مه، فض الله فاك!! والذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم! أبي معذب في النار، وابنه قسيم الجنة والنار؟! »
فلأبي طالب مقام الشفاعه ، و اي شفاعه! ؟ لو شفع في كل مذنبٍ لشفعه الله!!. نور ابي طالب (ع): و في نفس الحديث السابق « ثم قال (ع): والذي بعث محمداً بالحق نبياً، إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار: نور محمد، ونوري، ونور فاطمة، ونور الحسن والحسين، ومن ولدته من الأئمة، لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بألفي عام » ( 8). أبو طالب هو أهون أهل النار من الكفار عذابا - إسلام ويب - مركز الفتوى. و في خبر طويل جداً عن جابر (رض) قال: « فقلت يا رسول الله ، الله أكبر! الناس يقولون: أبا طالب مات كافرا! قال: يا جابر الله أعلم بالغيب ، إنه لما كان ت الليلة التي اسري بي فيها إلى السماء انتهيت إلى العرش فرأيت أربعة أنوار فقلت: إلهي ماهذه الانوار ؟ فقال: يا محمد هذا عبد المطلب وهذا أبوطالب وهذا أبوك عبدالله ، وهذا أخوك طالب ، فقلت: إلهي وسيدي فبمانالوا هذه الدرجة ؟ قال: بكتمانهم الايمان وإظهارهم الكفر ، وصبرهم على ذلك حتى ماتوا » ( 9).