ونحن لا ننتظر أن يأتي دخيل علينا فيعالج أخطاءنا، ولكن لا بد من ناصح من بيننا، فكنا نظن أنه بانقراض جماعة التكفير قد عافى الله عز وجل هذه الجماعات وهذه الطوائف المسلمة أنها لا تقيم الحدود فيما بينها. ثم فوجئنا بعد ذلك أن هذا الشر لا يزال موجوداً، وإن كانت بصورة خفية دقيقة قليلة، لكن على أية حال يعد هذا الأمر مخالفة عظيمة لدين الله عز وجل، أن يقيم الأفراد حدود الله عز وجل فيما بينهم، وليس هذا الأمر موكولاً إليهم. ولذلك آثرنا أن تكون هذه النصيحة من أخ شقيق رحيم ودود يعز عليه جداً أن يكون في هذا الصف أخطاء فيتلقفها أعداء هذا الدين فيجعلون منها موضوعاً يتكلمون فيه، ويوجهون سهامهم وطعونهم لا إلى الأفراد الذين خالفوا في هذه المسألة، وإنما إلى دين الله عز وجل، ويحسن بنا أن نتكلم في مقدمة يسيرة قليلة عن أهمية الحدود في الإسلام. الحدود في الإسلامية. فالحدود في الإسلام إنما هي جزء من نظام إلهي عظيم أنزله رب العالمين على خاتم رسله صلى الله عليه وسلم ليكون نظاماً يكفل لمن اتبعه السعادة والأمان والاستقرار إلى قيام الساعة، كما قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:138]. وأساس الحدود في الإسلام: أنها ضابط يحفظ التوازن بين حقوق الفرد والجماعة معاً.
شبهة: قسوة الحدود الإسلامية
إنَّ الشريعة الإسلامية تنظر إلى الجريمة بعين الفرد الذي ارتكبه، وبعين المجتمع الذي وقعت عليه في آن واحد، ثم تقرر الجزاء العادل الذي لا يميل مع النظريات المنحرفة، ولا شهوات الأمم والأفراد. يقرر الإسلام عقوباتٍ رادعةً قد تبدو قاسية فظة لمن يأخذها أخذًا سطحيًّا بلا تمعن ولا تفكير، ولكنه لا يطبقها أبدًا حتى يضمن أولاً أن الفرد الذي ارتكب الجريمة قد ارتكبها دون مبرر ولا شبهة اضطرار. فهو يقرر قطع يد السارق، ولكنه لا يقطعها أبدًا وهناك شبهة بأن السرقة نشأت من الجوع. وهو يقرر رجم الزاني والزانية، ولكنه لا يرجمهما إلا أن يكونا محصنين، وإلا أن يشهد عليهما أربعة شهود بالرؤية القاطعة، أي حين يتبجحان بالدعارة حتى ليراهما كل هؤلاء الشهود، وكلاهما متزوج. الحدود في الإسلامي. وهكذا في جميع العقوبات التي قررها الإسلام. ونحن نأخذ هذا من مبدأ صريح قرره عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من أبرز الفقهاء في الإسلام، وهو فوق ذلك رجل شديد الحرص على تنفيذ الشريعة، فلا يمكن اتهامه بالتفريط في التطبيق؛ فعمر رضي الله عنه لم يُنفِّذ حد السرقة في عام الرمادة [1] ، حيث كانت الشبهة قائمة في اضطرار الناس للسرقة بسبب الجوع. والحادثة التالية أبلغ في الدلالة وأصرح في تقرير المبدأ الذي نشير إليه: رُويَ أن غلمانًا لابن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه سرقوا ناقة لرجل من مُزَيْنَة، فأتى بهم عمر، فأقرو، فأمر كثيرَ بن الصلت بقطع أيديهم؛ فلما وَلَّى ردَّه ثم قال: "أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حَرَّمَ الله عليه لحل له، لقطعت أيديهم"، ثم وجَّه القول لابن حاطب فقال: وايم الله إذ لم أفعل ذلك لأُغَرِّمَنَّك غرامة توجعك!
تطبيق الحدود في الإسلام يحافظ على حقوق الإنسان ولا يمثل خروجاً عليها
من حكمةِ الله في خلقهِ أن شرعَ لهم من الدين ما تستقيم به أحوال البلاد والعباد فلا يستبد ظالم ولا يُظلم ضعيف، فأنزل الله كتاباً محكماً يحمل بين جوانحهِ نظامٌ محكم قادر علي تقويم النفس ومسك لجام غرورها، ومن هذه الأحكام ما تم تعليلهٌ للناس بشكلٍ ظاهر ومنها ما لم يُعلل لحكمةٍ لا يعلمها إلا الله، ومن رحمةِ الله بعبادهِ أن جَعل لهم أغلب الأحكام التي يتعاملون بها مُعلله واضحة الأسباب وما لم يتم تعليله كان جُله في العبادات كعددِ ركعات الصلاة وغيرها. ونحنُ المسلمين نؤمنُ باللهِ إيماناَ مطلق يوجبُ إقرارنا بوجودِ حكمة للأشياء تصديقاَ لقولِ الله تعالي ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ومع تصاعد الهجمات علي شرائعِ المسلمين واتهامها بما ليسَ فيها كان لزاماً علينا توضيح ما غفلَ عنهُ بعضُ المراهقين، علي سبيل المثال: لقي حد الرجم معارضةَ بغيرِ فهمٍ أو وعي فقط مهاجمة لكونها شريعة تخالف الهوي؟وقالوا بأن القوانين الوضعية أصلحُ للناسِ وأكثر ضبطاً لشئونهم وقالوا كذباً بأنَ بلادهم تنعم بالأمن والأمان في ظلِ تلكَ الأحكام وصفق لهم مراهقي المدنية الحديثة دون أدني وعي أو تفكير في تلك الأقوال.
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته. اختيار هذا الخط
بحث عن فتوى
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني
خيارات الكلمات:
كلمات متتالية
كلمات مبعثرة
مستوى التطابق:
مطابق
مستوى الجذر
مستوى اللواصق