انطلق الإسلام السياسي في المجتمعات العربية على يد أفراد طامحين لإحياء خلافة الحزبيين، وإماتة دولة المواطنين، ولعلهم نجحوا في استقطاب أعداد منتمية ومتعاطفة على امتداد العالم بحكم الخطاب الدعوي والوعظي القائم على بشارات المنامات وأحاديث الفتن والملاحم، الموظفة للنصوص لتأسيس وكسب المشروعية الشعبية، إلا أنه سرعان ما تأزمت الأمور بحكم استخدام (الجماعة) للعنف، واستعداء السلطات التي رحّلت وسجنت وتصدت إعلامياً وعسكرياً. وناورت جماعة (الإخوان) عبر تفريع المشروع واستيلاده في دول عدة بمسميات وأطروحات محدّثة، وانتقلت من خطاب التحدي والتصدي، إلى لغة التعاون والمشاركة الوطنية، فظهر المواليد بأسماء ظاهرها إيجابي (الإصلاح)، و(الإنقاذ)، و(النهضة)، و(العدالة)، و(التحرير)، و(حماس)، و(السرورية) لتتراجع عن حُلم تجاوز الدولة الوطنية إلى المهادنة ليمكن استيعابها وتصريحها في فضاء قُطْرِي. وفي مرحلة لاحقة أشعرت جماعات الإسلام السياسي المجتمعات العربية والإسلامية بالتخلي عن الطوباوية والسريالية، وتبنت النظرية البراغماتية، القائمة على تبرير نوع الوسائل للوصول إلى كمّ الغايات، وأبدت في التعامل مع المراحل بموضوعية وواقعية، وتكيّفت مع معطيات الحداثة والعولمة، واندمجت في اقتصاديات السوق، وحرية التجارة، وتجريب الشراكة بأدبيات الدولة الوطنية على أمل أن يبدأ التمكين من الداخل، إلّا أن الممارسات الصادرة عن رؤية حمقاء، وانكشاف ضآلة الإمكانات، والعودة للكفر بالدولة المدنيّة، دفعت العشرات لإعادة النظر في المشروع الإسلاموي.
- ألوان الوطن | «نادي» كفيف يفوز في مسابقة دبي العالمية: والدتي كانت تلقنني القرآن
ألوان الوطن | «نادي» كفيف يفوز في مسابقة دبي العالمية: والدتي كانت تلقنني القرآن
ومن مزايا السلالات الحاكمة الأصيلة، عبر العصور، قابليتها للأخذ بأسباب الرقي والتمدن، ومرونة مؤسسات دولتها وأجهزتها في بناء التراكمية بالتعلم والتدرب وتطوير القدرات واكتساب المهارات، ومن الطبيعى أن تتراكم، مع مرور الزمن، أنماط وسلوك وقواعد الحُكم الحضاري، في ظل تواتر التسليم والاستلام، على مدى فترات أدّت إلى تجذر، جعل من الدولة عميقة، ولتغدو بالتحديث والمواكبة أجدّ وأعمق في رسوخها وأصالتها، وأحدث في منجزاتها ومكتسباتها. لكل نتيجة مقدمات، ولكل حكم حيثيات، وهناك عُرف اجتماعي وثقافي وتاريخي، مفاده؛ أن التاجر الناجح أهله تُجار ناجحون، وكل صاحب حِرفة أو مهنة متوارثة، مبدع، فأصوله من الأسلاف حتماً مبدعون، وكذلك الحال مع الحكم؛ فمن أهله حُكّام وشيوخ وقادة عالو مقام، يكون كذلك، وربما بزّهم وتجاوزهم؛ بما يتوفر له من كاريزما، وبما تجود به الأرضُ والسماء. مَنْ اتفقت الشعوبُ على شرعيته، وأجمعت الأمم على زعامته، وترسّخت منذ قرون أرومته، لا وجه لمقارنته بالطارئين الذين يدخلون التاريخ في غفلة، ويخرجون منه خِلسة. ألوان الوطن | «نادي» كفيف يفوز في مسابقة دبي العالمية: والدتي كانت تلقنني القرآن. وللدولة السعودية شرعيّة تاريخية، وشرعية شعبية اكتسبتها، بصدقها مع شعبها، وحفاوتها به، وإقامتها للعدل في ما بينه، والعاطفة الشعبية، أصدق ما تختبر به علاقة المواطن بوطنه وقادته.
دعونا نلقي نظرة على واقعنا السوداني و نقدم بعض النماذج التي تعبر عن مضمون موضوعنا هذا, فالدكتور الجهبذ حسن الترابي الذي كان يتملكه الزهو و الغرور و الفخار بحصوله على الدرجة العلمية الكبيرة من تلك الجامعة الأكثر شهرة في العالم, راح ضحية لعميد في الجيش السوداني أكبر مؤهل اكاديمي حصل عليه هو الشهادة الثانوية, وفي جنوبنا الحبيب قطف سلفاكير ثمار وجهود الزعيم الراحل قرنق وترك الدكتورين رياك ولام هائمين على وجهيهما. في ايامنا هذه سطع نجم محمد حمدان دقلو الرجل الأكثر إثارة للجدل, و الأكثر تعرضاً لمحاولات اغتيال الشخصية لتربعه على عرش سيادة البلاد متخطياً جحافل من جيوش الاكاديميين و الخطباء المفوهين, فهو يشبه الى حد ما الخليفة عبد الله القائد العسكري والرجل السياسي المحنك الذي كان يمثل قلب وروح الثورة المهدية, ويندرج تحت هذه القائمة ايضاً السيد مني اركو مناوي ذلك الشاب النحيل الحاصل على الشهادة الثانوية, والذي قاد جيشاً عرمرماً سيطر به على اقليم دارفور في يوم من الأيام و ترأس الصفوة السياسية من ابناء الاقليم, الذين تجد من بينهم المهندس المخضرم و الخبير الاقتصادي الذي عمل في كبرى مؤسسات المال الدولية.