تاريخ النشر: الأحد 23 ذو الحجة 1426 هـ - 22-1-2006 م
التقييم:
رقم الفتوى: 70956
30241
0
426
السؤال
أحس بالغربة أنا وأخوات لي في الله (نقصد بالغربة التي ذكرت في حديث طوبى للغرباء)، وأحيانا نشعر أو نشك في أنفسنا أننا قد نكون سائرين في طريق خاطئ، ولكننا لا نفعل غير ما يرضي الله ونحاول إرضاءه سبحانه وتعالى، ولكن نجد في نفس الوقت أن من حولنا من الملتزمين لم يعودوا كما كنا نعرفهم من قبل ملتزمين قلبا وقالبا، وأصبح الالتزام ظاهريا والله أعلم. أرشدونا إلى الطريق الصواب، وكيف لنا أن نثبت في هذا الوسط ونكون فعلا بحق من قيل: لهم طوبى للغرباء.. وجزاكم الله خيرا. الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا فطوبى للغرباء. وهذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للغرباء في وقت الغربة، فإنهم يشبهون في تمسكهم بالإسلام السابقين من الصحابة الذين ثبتوا على الدين في غربته الأولى. ماذا تعني طوبى للغرباء - إسألنا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا – أي الإسلام – أن المتمسك به يكون في شر، بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: فطوبى للغرباء.
طوبى للغرباء | موقع الشيخ يوسف القرضاوي
قال يحيى بن معاذ: "العابد مشهور، والعارف مستور، وربما خفي حال العارف على نفسه لخفاء حاله، وإساءته الظنَّ بنفسه". قال إبراهيم بن أدهم: "ما أرى هذا الأمر إلا في رجلٍ لا يَعْرِفُ ذاك من نفسه، ولا يعرفه الناس منه". وفي حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله يُحِبُّ العَبْدَ الخفيَّ التقيَّ)). طوبى للغرباء | موقع الشيخ يوسف القرضاوي. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "كونوا جُدُدَ القلوب، خلْقان الثياب؛ تَخْفَون على أهل الأرض، وتعرفون في أهل السماء". اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين، وأعْلِ راية الحق والدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعِزّ فاجْعَلْ عزَّ الإسلام على يديْه، ومَنْ أرادَنَا والإسلام والمُسلمين بكَيْدٍ فَرُدَّ كَيْدَه إلى نَحْرِه، واجعل تدبيره تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه. اللهُمَّ اقْسِم لنا من خشيَتِك ما تَحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تُهَوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعْنا بأسْماعِنا وأبصارنا وقوَّتنا أبدًا ما أحيَيْتنا، واجعلْه الوارث منا، واجعَلْ ثأرَنا على مَن ظَلَمَنا، وانصرنا على مَن عادانا، ولا تَجْعَل الدُّنيا أكبَر هَمِّنا، ولا مَبلَغَ عِلْمِنا، ولا تُسَلِّطْ علينا بذنوبنا من لا يَخافُك ولا يَرحَمُنا.
معنى طوبى للغرباء لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله - Youtube
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وما قلَّ وكفَى خيرٌ مِمَّا كَثُرَ وأَلْهى، ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام: 134]. روى الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء)) [1]. وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ابن مسعود بزيادة في آخره: قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: ((النُّزَّاع [2] من القبائل)) [3]. وأخرجه الآجُرِّيُّ، وعنده: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ((الَّذين يُصْلِحون إذا فسد الناس)) [4]. وخرجه الترمذي من حديث كثير بن عبدالله المُزَني عن أبيه عن جدِّه عن النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الإسلام بدأ غريبًا، ويرجع غريبًا، فطوبى للغرباء، الذين يُصْلِحونَ ما أفْسَد الناس بعدي من سُنَّتي)) [5]. معنى طوبى للغرباء لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله - YouTube. وخرجه أحْمد والطبراني من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طوبى للغرباء))، قلنا: وما الغرباء؟ قال: ((قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، مَنْ يَعصيهِمْ أكثَرُ مِمَّن يُطيعهم)) [6].
ماذا تعني طوبى للغرباء - إسألنا
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص مَرفوعًا وموقوفًا في هذا الحديث، قيل: ومن الغرباء؟ قال: ((الفرَّارون بدينهم، يبعثهم الله تعالى مع عيسى ابن مريم)) [7]. فقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بدأ الإسلام غريبًا))؛ يريد به: أن الناس كانوا قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة عامَّة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّه نظر إلى أهل الأرض فمَقَتَهم عربَهم وعجَمَهم إلا بقايا من أهل الكتاب)) [8]. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى وينال منه، وهو صابرٌ على ذلك في الله عز وجل، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين، يُطرَدون ويُشرَّدون كلَّ مُشرَّد، ويَهرُبون بِدِينِهم إلى البِلاد النَّائية، كما هاجروا إلى الحبشة مرَّتَيْنِ، ثُمَّ هاجروا إلى المدينة، وكان منهم مَن يُعَذَّب في الله، وفيهم مَن قُتِلَ، فكان الدَّاخِلون في الإسلام حينئذٍ غُرَباء.
في حديث القاسم عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل: "إن أغبط أوليائي عندي لمُؤمن خفيف الحال، ذو حظٍّ من صلاة، أحسن عبادة ربه، وكان رزقه كَفافا، وكان مع ذلك غامضا في الناس، لا يُشار إليه بالأصابع -ليس من المشاهير ولا المعروفين- وصبر على ذلك حتى لقيَ الله، ثم حلَّت منيتُه، وقلَّ تراثه، وقلَّت بواكيه"[9]. ومن هؤلاء الغرباء، ما رواه أنس في حديثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له، لو أقسم على الله لأبرَّه"[10]، وفي حديث أبي هريرة: "رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه"[11]
هؤلاء ملوك أهل الجنة كما جاء في الحديث: "ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنة؟". قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: "كل ضعيف أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له، لو أقسم على الله لأبرَّه"[12]. لا يؤبه له... إن استأذن لم يُؤذَن له، وإن شفع لم يُشفَّع، وإن قيل لم يُسمَع، لأنه ليس من ذوي الجاه ولا المنزلة ولا أصحاب المناصب، إنه في الناس غريب... كما قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذُلِّها، ولا ينافس في عزِّها، للناس حال وله حال، الناس منه في راحة، وهو من نفسه في تعب[13].
إن الحمد لله، نَحمَده ونستعينُه ونَستغْفِرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه.