قوله تعالى: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. أخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان»، عن ابن مسعود أن رجلا قال له: إني أخاف أن أكون قد هلكت قال: وما ذاك؟ قال: إني سمعت الله يقول: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وأنا رجل شحيح، لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود: ليس ذاك بالشح، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإن الشح الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما. وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن ابن عمر في قوله: ومن يوق شح نفسه قال: ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، ولكنه [ ص: 372] البخل، وإنه لشر، إنما الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له. وأخرج ابن المنذر ، عن الحسن قال: النظر إلى المرأة لا يملكها من الشح. وأخرج ابن المنذر ، عن طاوس قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه، والشح أن يشح على ما في أيدي الناس. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن عساكر ، عن عبد الرحمن بن عوف، أنه كان يطوف بالبيت يقول: اللهم قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك، فقيل له، فقال: إذا وقيت شح نفسي لا أسرق، ولا أزني، ولا أفعل شيئا.
القاعدة الثالثة والأربعون: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) | موقع المسلم
قال الصابوني: سورة التغابن مدنية. وآياتها ثمان عشرة آية. بين يدي السورة: * سورة التغابن من السور المدنية التي تعنى بالتشريع، ولكن جوها جو السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية. * تحدثت السورة الكريمة عن جلال الله وعظمته وآثار قدرته، ثم تناولت موضوع الإنسان المعترف بربه، والإنسان الكافر الجاحد بآلاء الله {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن.. } الآيات. * وضربت الأمثال بالقرون الماضية، والأمم الخالية، التي كذبت رسل الله، وما حل بهم من العذاب والدمار، نتيجة لكفرهم وعنادهم وضلالهم {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم.. * وأقسمت السورة على أن البعث حق لابد منه، أقر به المشركون أو أنكروه {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن.. * وأمرت بطاعة الله وطاعة رسوله، وحذرت من الإعراض عن دعوة الله {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين}. * كما حذرت من عداوة بعض الزوجات والأولاد، فإنهم كثيرا ما يمنعون الإنسان عن الجهاد والهجرة {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم.. * وختمت السورة بالأمر بالإنفاق في سبيل الله لإعلاء دينه، وحذرت من الشح والبخل، فإن من صفات المؤمن، الإنفاق في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وهو شطر الجهاد، حيث ينقسم إلى قسمين: جهاد بالنفس، وجهاد بالمال {وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.. } الآيات إلى نهاية السورة الكريمة.
إسلام ويب - الدر المنثور - تفسير سورة الحشر - تفسير قوله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون- الجزء رقم14
وأخرج الزبير بن بكار في «الموفقيات» عن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قدم خالد بن الوليد من ناحية أرض الروم على [ ص: 383] النبي - صلى الله عليه وسلم – بأسرى، فعرض عليهم الإسلام فأبوا، فأمر أن تضرب أعناقهم، حتى إذا صار إلى آخرهم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا خالد كف عن الرجل» قال: يا رسول الله ما كان في القوم أشد علي منه، قال: «هذا جبريل يخبرني عن الله أنه كان سخيا في قومه، فكف عنه» فأسلم الرومي.
ليس ذاك سيدكم»، قالوا: فمن سيدنا يا رسول الله؟ قال: «سيدكم البراء بن معرور» قال البيهقي: مرسل. وأخرج الحاكم ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سيدكم يا بني سلمة»؟ قالوا: الجد بن قيس، على أن فيه بخلا، قال: «وأي داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم، وابن سيدكم بشر بن البراء بن معرور». [ ص: 380] وأخرج أحمد ، والبيهقي عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة بخيل، ولا خب، ولا خائن، ولا سيئ الملكة، وأول من يقرع باب الجنة المملوكون، إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله وبين مواليهم». وأخرج البيهقي ، عن أبي سهل الواسطي، رفع الحديث، قال: «إن الله اصطنع هذا الدين لنفسه، وإنما صلاح هذا الدين بالسخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما». وأخرج البيهقي ، من طرق وضعفه، وابن عدي، والعقيلي، وأبو نعيم ، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» والخطيب في «المتفق والمفترق» وابن عساكر ، والضياء، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال لي جبريل: قال الله تعالى: إن هذا الدين ارتضيته لنفسي، ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما صحبتموه». [ ص: 381] وأخرج ابن عدي، والبيهقي وضعفه، عن عبد الله بن جراد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ابتغيتم المعروف فابتغوه في حسان الوجوه، فوالله لا يلج النار إلا بخيل، ولا يلج الجنة شحيح، إن السخاء شجرة في الجنة تسمى السخاء، وإن الشح شجرة في النار تسمى الشح».