قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إلا أن تطوع " استثناء منقطع ، ومعناه: لكن [ ص: 139] يستحب لك أن تطوع. وجعله بعض العلماء استثناء متصلا واستدلوا به على من شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامه ، ومذهبنا أنه يستحب الإتمام ولا يجب. رياض الجنة: “أفلح إن صدق” – مجلة الوعي. والله أعلم. قوله: ( فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلح إن صدق) قيل: هذا الفلاح راجع إلى قوله لا أنقص خاصة. والأظهر أنه عائد إلى المجموع بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه ، ومن أتى بما عليه فهو مفلح ، وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لأن هذا مما يعرف بالضرورة فإنه إذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى. فإن قيل: كيف قال: لا أزيد على هذا ، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات ولا المنهيات الشرعية ولا السنن المندوبات ؟ فالجواب أنه جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود قال: فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام ، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله - تعالى - علي شيئا. فعلى عموم قوله بشرائع الإسلام ، وقوله: مما فرض الله علي يزول الإشكال في الفرائض.
- رياض الجنة: “أفلح إن صدق” – مجلة الوعي
رياض الجنة: “أفلح إن صدق” – مجلة الوعي
فإذا كان الذي يحافظ على الفرائض ويجتنب المحرمات مُفلِحاً وناجِياً فإن المحافظ عليها وعلى السنن أحرى بأن يكون مُفلِحاً وناجِياً. فلا بد لنا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمعاصي وانتشرت وكثر العاملون بها وقل إنكارها في قلوب كثير من المسلمين بسبب اعتياد رؤيتها ورؤية الواقعين فيها، لا بد لنا من العمل بالنوافل ما أمكننا إلى هذا سبيلاً، زيادة في القرب من الله، وزيادة من رصيد الحسنات في صحيفة العبد المسلم، وحماية للفرائض من التقصير فيها، واحتساباً للأجر عند الله تعالى، طمعاً في دخول العبد تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: « أَفلَحَ إِن صَدَقَ ». وينبغي للوالِدين أن يعلما الأبناء والبنات فضل أداء الفرائض، وفضل أداء النوافل، وأن يكونا لهم أسوة حسنةً في أدائها بالفعل قبل القول، وأن يَذكُرا للأولاد فضلها مقترناً بالدليل الشرعي الذي يبين فضها، وأن يسعيا لتقوية الرابطة بين الولد وبين الله تعالى، فيذكرا لهم أن الله تعالى يحب مَن يطيعه، ويثيب من يطيعه، ويكتب الأجر الجزيل لمن يطيعه، ليتعلم الولد احتساب الأجر عند الله تعالى.
هذا الحديث يدل على سعة رحمة الله تعالى، وأن العبد إذا انتقص شيئاً من فرائض الله عليه لم يعاقب عليها حتى يُنظَرَ في رصيده من النوافل، فيكمل به ما انتقص من الفرائض، فضلاً من الله وكرماً. وهذا في الصلاة والصوم والزكاة وغيرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر هذه الطريقة في الصلاة قال: ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ. فالنوافل ذات أهمية كبيرة للعبد من حيث رصيدُه من الحسنات، ومن فضلها أيضاً أنها وسيلة لمحبة الله سبحانه وتعالى للعبد، روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «... وما يزال عبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه ». ومن فضل النوافل أنها تمثل سياجاً للفرائض، إذ إن العبد الذي يؤدي النوافل ويعتادها إذا أصابه تعب أو عَرضَ له مرضٌ أو سفرٌ يستدعي منه التخفُّفَ من بعضِ العمل تخففَ من النوافل وسَلِمَت له الفرائضُ، والعبد الذي يؤدي النوافلَ ويحافظ عليها يكون أشدَّ محافظة على الفرائض. ولم يكن المسلمون في الصدر الأول للإسلام يُفَرِّقونَ في العمل بين الفرض والنَّفل، بل يعملون بما أمر به الشرع وينتهون عما نهى عنه، قال ابن حجر رحمه الله: "وَقَدْ كَانَ صَدْرُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ يُوَاظِبُونَ عَلَى السُّنَنِ مُوَاظَبَتَهُمْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا فِي اغْتِنَامِ ثَوَابِهِمَا، وَإِنَّمَا احْتَاجَ الْفُقَهَاءُ إِلَى التَّفْرِقَةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَتَرْكِهَا وَوُجُوبِ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ وَنَفْيِهِ" (فتح الباري:3/265).