الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد، فإن كتاب مفتاح العلوم لأبي يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي المتوفى سنة 626ه يعد عمدة الدارسين في البلاغة العربية، ويعتبر جامعا لأساليب اللغة وبيانها. وقد جال صاحب الكتاب جولات في علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان وعلوم الاستدلال والشعر، وخصص أواخر فقراته لنوادر مختلفة منها حديثه عن دهاء نساء العرب وفطنتهن؛ وقدرتهن على تمييز الكلام البليغ من غيره، بل على تصحيح الرديء والإتيان بالأجود منه. وسأقف في هذا المقال عند جملة من النماذج التي ساقها السكاكي رحمه الله مع بيان مواقع الذكاء اللغوي والبياني النسائي. ص1263 - كتاب المصباح لما أعتم من شواهد الإيضاح - لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما - المكتبة الشاملة. النموذج الأول: أورد السكاكي رحمه الله أن الخنساء سمعت قول الشاعر: لنا الجفنات الغّر يلمعن بالضحى …وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فانتقدته من جهتين: سوء توظيف الجمع: حيث قالت الخنساء:" أي فخر يكون في أن له ولعشيرته ولمن ينضوي إليهم، من الجفان ما نهايتها في العدد عشر ، وكذا من السيوف؟ ألا استعمل جمع الكثرة: الجفان ، والسيوف؟ " [1] ذلك أن الشاعر استعمل (الجفنات) جمع جفنة وهو جمع مؤنث سالم يفيد القلة [2] ، فكان اولى منه ان يوظف (الجفان) باعتباره على وزن (فعال) وهو يفيد الكثرة.
ص1263 - كتاب المصباح لما أعتم من شواهد الإيضاح - لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما - المكتبة الشاملة
د. حسام عبد الجواد قاسم: بين حسان والنابغة
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقر الشعر وأمر به. فهل بعد هذا يسوغ إنكار ؟ وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي في ( مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن) باب ذكر الشعراء بسوق عكاظ وتناشدهم الأشعار.