الضمير في "منه" جار مجرى اسم الإشارة كأنه قيل عن شيء من ذلك ، كما قال الله تعالى: قل أأنبئكم بخير من ذلكم [آل عمران: 15] بعد ذكر الشهوات ، ومن الحجج المسموعة من أفواه العرب ما روي عن رؤبة أنه قيل له في قوله [من الرجز]: كأنه في الجلد توليع البهق
فقال: أردت كأن ذاك. أو يرجع إلى ما هو في معنى الصدقات وهو الصداق ، لأنك لو قلت: وآتوا النساء صداقهن ، لم تخل بالمعنى ، فهو نحو قوله: فأصدق وأكن من الصالحين [المنافقون: 12] كأنه قيل: أصدق ، و نفسا: تمييز ، وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه ، والمعنى: فإن وهبن لكم شيئا من الصداق وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم فكلوه: فأنفقوه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة النساء - الآية 4. قالوا: فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة ، علم أنها لم [ ص: 19] تطب منه نفسا ، وعن الشعبي: أن رجلا أتى مع امرأته شريحا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع ، فقال شريح: رد عليها. فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى: فإن طبن لكم: قال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه ، وعنه: أقيلها فيما وهبت ولا أقيله ، لأنهن يخدعن ، وحكي أن رجلا من آل معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقا كان لها عليه ، فلبث شهرا ثم طلقها ، فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان ، فقال الرجل: أعطتني طيبة بها نفسها ، فقال عبد الملك: فأين الآية التي بعدها فلا تأخذوا منه شيئا؟ اردد عليها ، وعن عمر - رضي الله عنه - أنه كتب إلى قضاته: إن النساء يعطين رغبة ورهبة.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة النساء - الآية 4
في سورة النساء جاء ضمن الآيات بعد الحديث عن اليتيم دور حقوق المرأة ، و أبرزها المهر ، لأنه مال ثابت تمتلكه أغلب النساء. فأمر الاسلام بأعطاء المهر للنساء ، وبين بذلك ان المرأة تمتلك تماما كالرجل ، سواء كانت متزوجة أم عانسا ، و قد كانت الانظمة البشرية تنفي حق المرأة في الامتلاك خصوصا المتزوجة.
فانتزعه الله منهم وأمر به للنساء. و " نحلة " منصوبة على أنها حال من الأزواج بإضمار فعل من لفظها تقديره أنحلوهن نحلة. وقيل: هي نصب وقيل على التفسير. وقيل: هي مصدر على غير الصدر في موضع الحال. الرابعة: قوله تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا مخاطبة للأزواج ، ويدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة ؛ وبه قال جمهور الفقهاء. ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للولي مع أن الملك لها. وزعم الفراء أنه مخاطبة للأولياء ؛ لأنهم كانوا يأخذون الصداق ولا يعطون المرأة منه شيئا ، فلم يبح لهم منه إلا ما طابت به نفس المرأة. اية وآتوا النساء صدقاتهن نحلة. والقول الأول أصح ؛ لأنه لم يتقدم للأولياء ذكر ، والضمير في منه عائد على الصداق. وكذلك قال عكرمة وغيره. وسبب الآية فيما ذكر أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت فإن طبن لكم. الخامسة: واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ، ولا رجوع لها فيه. إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه ، واحتج بقوله: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا. قال ابن العربي: وهذا باطل ؛ لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها ؛ إذ ليس المراد صورة الأكل ، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال ، وهذا بين.
فلتستعد لتلك الأمسية التي لن تنساها إذا ما عدت منها بعقلك سالما.
دكتور محمد السيد - كفر صقر - الشرقية - مصر - دليلك
المصدر:
أنتدب للتدريس في كليتي التربية والعلوم - جامعة قناة السويس بالإسماعيلية على مدى سنوات عدة. قام بالتدريس في دورات معهد الإذاعة والتليفزيون بوزارة الإعلام، ودورات تدريب الأئمة ومراكز الثقافة بوزارة الأوقاف، ومعهد الدراسات الإسلامية بالزمالك التابع لوزارة التعليم العالى. شارك في لجان الاختيار لجائزة الملك فيصل العالمية. شارك في عضوية لجنة اختيار قراء القرآن الكريم بالتليفزيون المصري 1989م. عمل مستشارا لوزير الأوقاف المصري سنة 1992م. شارك في عضوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة. شارك بنشاط واسع في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي بمصر والعالم الإسلامي. دكتور محمد السيد سعيد. ترجمت بعض كتبة إلى لغات عدة منها: الإندونيسية والماليزية والألبانية. شارك في كثير من المؤتمرات العالمية والملتقيات الفكرية في كل من: القاهرة، مكة المكرمة، الرياض، مسقط، أبوظبي، بغداد، الكويت، بيروت، الجزائر، طهران، موسكو، والمات عاصمة كازخستان، وطشقند عاصمة أوزبكستان، وباكو عاصمة أذربيجان، وعشق آباد عاصمة تركمانستان، وتيرانا عاصمة ألبانيا. أطلق قبل وفاته حملة قومية لعودة الحياء إلى الشارع بعد انتشار ظاهرة العري والانحطاط الأخلاقي. كان أحد أنشط الدعاة من خلال وسائل الإعلام ومن البرامج الإذاعية التي شارك فيها: "بريد الإسلام" "رأى الدين" "عقيدة وعمل" مؤلفاته أبرز مؤلفاته التي تزيد على الأربعين: الروح في دراسات المتكلمين والفلاسفة.