وقد تعرض تعالى لما يقرب من هذا المعنى في مواضع من كلامه كقوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) [2]، وقوله: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا) [3]، وقوله: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل والصالح يرفعه) [4]. وهذا القول والكلمة الطيبة هو الذي يرتب تعالى عليه تثبيته في الدنيا والآخرة أهله، وهم الذين آمنوا ثم يقابله بإضلال الظالمين، ويقابله بوجه آخر بشأن المشركين، وبهذا يظهر أن المراد بالممثل هو كلمة التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله حق شهادته. فالقول بالوحدانية والاستقامة عليه هو حق القول الذي له أصل ثابت محفوظ عن كل تغير وزوال وبطلان وهو الله عز اسمه أو أرض الحقائق، وله فروع نشأت ونمت من غير عائق يعوقه عن ذلك من عقائد حقة فرعية وأخلاق زاكية وأعمال صالحة يحيى بها المؤمن حياته الطيبة ويعمر بها العالم الإنساني حق عمارته، وهي التي تلائم سير النظام الكوني الذي أدى إلى ظهور الإنسان بوجوده المفطور على الاعتقاد الحق والعمل الصالح، والكمل من المؤمنين - وهم الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فتحققوا بهذا القول الثابت والكلمة الطيبة - مثلهم كمثل قولهم الذي ثبتوا لا يزال الناس منتفعين بخيرات وجودهم ومنعمين ببركاتهم.
«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَة» - مع القرآن - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا}، فلم يستجيبوا لما تفرضه عليهم نعمته من مسؤولية الشكر العملي بالإيمان والطاعة، بل عملوا على توجيه النعمة بالاتجاه المعاكس الذي لا يريد الله أن تسير فيه، وحولوها بذلك من مصدر خيرٍ ونجاةٍ للناس، إلى مصدر شرّ وهلاك لهم وللحياة، فضلّوا وأضلّوا {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} أي دار الهلاك {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا}، جزاءً لكفرهم وعصيانهم {وَبِئْسَ الْقَرَارُ} لأنهم لا يطمئنون فيه إلى مصير مريح لما يلاقونه من عذاب متواصل لا نهاية له، ولا انقطاع. {وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا} لما ابتدعوه من آلهةٍ، بحيث أعطوها القداسة وعبدوها، وأخلصوا لها الطاعة، {لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ} لما يمثله ذلك من انحرافٍ عن المنهج الذي يريد الله للناس أن يتخذوه في حياتهم العامة والخاصة، وابتعادٍ عن الأهداف التي يريد الله للحياة أن تتّجه إليها. {قُلْ تَمَتَّعُواْ} وخذوا حريتكم في ما تتقلبون به من حياة وصحة وأمان، واستسلموا للّحظة الحاضرة التي تشغلكم عن التفكير بالمصير الذي تتجهون إليه، فتؤدي بكم إلى الغفلة الخادعة التي تثير فيكم الشعور بالثقة في المستقبل، والقوة في الموقف، {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} لأنها النهاية الطبيعية لتلك البداية.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله: ( مثلا كلمة طيبة) شهادة أن لا إله إلا الله ، ( كشجرة طيبة) وهو المؤمن ، ( أصلها ثابت) يقول: لا إله إلا الله في قلب المؤمن ، ( وفرعها في السماء) يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء. وهكذا قال الضحاك ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة وقتادة وغير واحد: إن ذلك عبارة عن المؤمن ، وقوله الطيب ، وعمله الصالح ، وإن المؤمن كالشجرة من النخل ، لا يزال يرفع له عمل صالح في كل حين ووقت ، وصباح ومساء. الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة. وهكذا رواه السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود قال: هي النخلة. وشعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس: هي النخلة. وحماد بن سلمة ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقناع بسر فقال: " ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " قال: " هي النخلة ". وروي من هذا الوجه ومن غيره ، عن أنس موقوفا وكذا نص عليه مسروق ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة وغيرهم. وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أخبروني عن شجرة تشبه - أو: كالرجل - المسلم ، لا يتحات ورقها [ ولا ولا ولا] تؤتي أكلها كل حين ".
وقال بهذا الحكم جمهور الفقهاء: مالك والشافعي وأحمد ، ولا يعترض عليه بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، فإن الرواية الصحيحة عن مسلم أنه تزوجها وهو حلال. قال الترمذي: اختلفوا في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة حيث تزوجها في طريق مكة، فقال بعضهم: تزوجها وهو حلال ، وظهر أمر تزويجها وهو محرم ، ثم بنى بها وهو حلال في"سرف "في طريق مكة. والحنفية خالفوا الجمهور وأجازوا عقد النكاح للمحرم ، وليس لهم دليل على ذلك وقالوا: الممنوع هو الجماع وليس العقد.
حكم الوقوف بعرفة للحج
وهذا هو رأي جمهور الفقهاء
8- ومن ارتكب شيئا من هذه المحظورات فجزاؤه كما يأتي:
صيد الحرم وقطع شجره -إن الصيد المذكور من قبل هو الصيد الواقع من المحرم ويستوي فيه ما صيد في الحل وما صيد في الحرم. أما صيد الحرم وقطع شجره فيستوي فيه المحرم وغير المحرم ، والممنوع بالنسبة للشجر هو الشجر الذي لم يستنبته الآدميون عاده. ومثله قطع الرطب من النبات حتى الشوك ، إلا الإذخر والسنا فلا مانع من التعرض لهما. ودليله ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة " إن هذا البلد حرام ، لا يعضد شوكه ، ولا يختلى خلاه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف " واستثنى الإذخر كطلب العباس. وما استنبته الآدميون يجوز قطعه على رأى الجمهور، وتفصيل الجزاء يرجع فيه إلى كتب الفقة على رأى من يقول بالجزاء ، أما من لا يقول به فأوجب الاستغفار
أما الجماع فقد مر حكمه. حكم الوقوف بعرفة بيت العلم. وأما لبس المخيط وتقليم الأظفار وإزالة الشعر والتطيب ففيه فدية جاءت فى قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسك} البقرة: 196 ، والنسك هو الذبح ، والفدية على التخيير بين هذه الأمور الثلاث: ذبح شاة ، أو إطعام ستة مساكين ، كل مسكين نصف صاع ، أو صيام ثلاثة أيام.
حكم الوقوف بعرفة :
وأما لبسك المخيط بعد إحرامك وتلبسك بالنسك فهو من محظورات الإحرام، وتجب فيه الفدية وهي على التخيير بين إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة، فإذا كنت قد أطعمت في الحرم المساكين الستة ـ كل مسكين نصف صاع من طعام ـ فقد أديت ما وجب عليك ولم تعد ذمتك مشغولة بشيء. وأما ما ذكرته من كلام علماء الفلك: فإنه لا اعتبار به، فإن المعتبر في دخول الشهر وخروجه هو الرؤية الشرعية، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته. والمعتمد على الحساب في الهلال ـ كما أنه ضال في الشريعة مبتدع في الدين ـ فهو مخطئ في العقل وعلم الحساب. حكم من ترك الوقوف بعرفة في الحج. انتهى. وعلى فرض أن الناس جميعا أخطأوا فوقفوا بعرفة يوم الثامن أو يوم العاشر، فإن حجهم يقع صحيحا ظاهرا وباطنا، ويجزيهم ذلك، وقد بين شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ هذه المسألة أتم بيان ونحن ننقل كلامه ليزول اللبس ويرتفع الإشكال، قال ـ رحمه الله: ولو قُدّر ثبوت تلك الرؤية، فإن في السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون.
حكم من ترك الوقوف بعرفة في الحج
وعليه شاة أو سُبْعُ بقرة، وإن جامع بعده لم يفسد حجه وعليه بدنة ـ جمل أو ناقة. أما الجماع بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فلا يفسد الحج بالاتفاق وتجب فيه بدنة عند بعض الفقهاء، وعند بعضهم الآخر تجب شاة وهو مذهب الإمام مالك. حكم الوقوف بعرفة :. 2- لبس المخيط أو المحيط ، كالقميص والسروال والقباء والجبة والبرنس ، وكذلك الخف والحذاء ، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس -كل ثوب رأسه منه - ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس - نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به - ولا زعفران ، ولا الخفين ، إلا أن يجد نعلين فليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين "
والإجماع أن هذا خاص بالرجل ، أما المرأة فتلبس كل ذلك ما عدا ما مسه طيب ، وما عدا النقاب والقفازين. لقول ابن عمر رضي الله عنهما: نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب ، وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما شاءت من ألوان الثياب ، من معصفر أو خز - حرير - أو حلي ، أو سراويل أو قميص أو خف رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه
– قال البخاري: ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة وقالت لا تتلثم ، ولا تتبرقع ، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران.
تاريخ النشر: السبت 18 شوال 1421 هـ - 13-1-2001 م
التقييم:
رقم الفتوى: 4391
45135
0
394
السؤال
هل يجوز الذهاب إلى عرفة في يوم التاسع من ذي الحجة دون الذهاب ليوم التروية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الذهاب إلى منى يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى منى قبل الزوال، فصلى بها الظهر والعصر قصراً من غير جمع، ثم صلى المغرب لوقتها والعشاء لوقتها قصراً ثم صلى بها الصبح، ثم خرج ضحى إلى عرفة يوم التاسع. فمن ذهب إلى عرفة يوم التاسع دون الذهاب إلى منى يوم التروية، ووقف بعرفة فحجه صحيح لكنه ترك السنة، وليس الذهاب إلى منى يوم الثامن مثل الوقوف بعرفة فإن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصححه السيوطي، والألباني. ولحديث عُرْوَةَ بنِ مُضَرّسِ بنِ أَوسِ بنِ حَارِثَةَ بنِ لاَمَ الطّائِيّ قال: "أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصّلاَةِ فَقُلْتُ يا رسولَ الله إنّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيّ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وأتْعَبْتُ نَفِسي، والله ما تَرَكْتُ مِنْ جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شَهِدَ صَلاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتّى ندْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذلكَ لَيْلاً أوْ نَهَاراً فَقَدْ أتمّ حَجّه وقَضَى تَفَثهُ".