روي أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، قال: لم أر في القرآن أرجى من قوله تعالى: { قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}، لا يشاكل بالعبد إلا العصيان، ولا يشاكل بالرب إلا الغفران. قال أبو بكر ذلك حين تذاكر الصحابة رضي الله عنهم القرآن. ولنا وقفة مع هذه الآية الكريمة:
الكلمة المفتاحية في هذه الآية قوله تعالى: { شاكلته}، وقد ذكر المفسرون عدة أقوال في المراد من (الشاكلة) في هذه الآية، حاصلها على النحو التالي:
(الشاكلة) بمعنى: الناحية، روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قوله: { كل يعمل على شاكلته}، يقول: على ناحيته. ورجح ابن عطية قول ابن عباس من أن المراد بـ (الشاكلة) الناحية. (الشاكلة) بمعنى: الطبيعة النفسية. وهذا مروي عن مجاهد. (الشاكلة) بمعنى: النية، روى الطبري عن قتادة ، قال: { كل يعمل على شاكلته}، على ما ينوي. (الشاكلة) بمعنى: الدِّين، روي عن ابن زيد قال: الشاكلة: الدِّين. تفسير: "قل كل يعمل على شاكلته". (الشاكلة) بمعنى: الشَّكل، بفتح الشين، يقال: ليس على شكلي ولا شاكلتي. فـ (الشَّكل) هو المثل والنظير والضرب، كقوله تعالى: { وآخر من شكله أزواج} (ص:58)، أي: من مثله ونظيره. (الشاكلة) بمعنى: الطريقة والمذهب: وهذا التفسير مروي عن الفراء ، و الزجاج من أهل اللغة، واختاره الزمخشري و الرازي ؛ لقوله تعالى في ختام الآية: { فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}، أي: أسدُّ طريقاً، وأبين منهاجاً.
قل كل يعمل على شاكلته - موقع مقالات إسلام ويب
ومجاز الآية: كل يعمل على ما يشبهه كما يقال في المثل: كل امرئ يشبهه فعله. ( فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أوضح طريقا. ﴿ تفسير الوسيط ﴾
ثم بين- سبحانه- أنه لا يخفى عليه شيء من أحوال الناس وأعمالهم فقال: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا. والتنوين في قوله كُلٌّ عوض عن المضاف إليه. أى: كل فرد. وقوله: شاكِلَتِهِ: أى: طريقته ومذهبه الذي يشاكل ويناسب حاله في الهداية أو الضلالة. مأخوذ من قولهم: طريق ذو شواكل، وهي الطرق التي تتشعب منه وتتشابه معه في الشكل، فسميت عادة المرء بها، لأنها تشاكل حاله. قال القرطبي قوله قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال ابن عباس: على ناحيته. وقال مجاهد: على طبيعته. وقال قتادة: على نيته وقال ابن زيد: على دينه. قل كل يعمل على شاكلته - موقع مقالات إسلام ويب. وقال الفراء: على طريقته ومذهبه الذي جبل عليه.. وقيل: هو مأخوذ من الشكل. يقال: لست على شكلي ولا شاكلتى. فالشكل: هو المثل والنظير، كقوله- تعالى-: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ. والشكل- بكسر الشين- الهيئة. يقال: جارية حسنة الشكل. أى الهيئة. وهذه الأقوال كلها متقاربة. والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس: كل واحد منكم- أيها الناس- يعمل على شاكلته وطريقته التي تشاكل حاله، وتناسب اتجاهه، وتتلاءم مع سلوكه وعقيدته، فربكم الذي خلقكم وتعهدكم بالرعاية، أعلم بمن هو أهدى سبيلا، وأقوم طريقا، وسيجازى- سبحانه- الذين أساءوا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
بسّام جرّار -تفسير- &Quot;قل كل يعمل على شاكلته&Quot; - الإسراء 82 84 ---//// 11- 11- 2018 - Youtube
فـ (الشاكلة) بحسب هذا القول: الطريقة والسيرة التي اعتادها صاحبها، ونشأ عليها. وأصلها شاكلة الطريق، وهي الشعبة التي تتشعب منه. قال النابغة يذكر ثوباً يشبه به بُنيات الطريق: له خُلج تهوي فُرادى وترعوي إلى كل ذي نيرَين بادي الشواكل
و(الشواكل) جمع (شاكلة)، وهي شُعب الطريق وفروعه. قال ابن عاشور: "وهذا أحسن ما فسر به (الشاكلة) هنا. وهذه الجملة في الآية تجري مجرى المثل". قال القرطبي معقباً على ما قيل في معنى (الشاكلة): وهذه الأقوال كلها متقاربة. بسّام جرّار -تفسير- "قل كل يعمل على شاكلته" - الإسراء 82 84 ---//// 11- 11- 2018 - YouTube. والمعنى: أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي أَلِفَها، وهذا ذم للكافر، ومدح للمؤمن. ونحو هذا قال ابن كثير. وقد جوز الرازي أن يكون المراد بـ (الشاكلة): أن كل أحد يفعل على وَفْق ما شاكل جوهر نفسه، ومقتضى روحه، فإن كانت نفساً مشرقة حرة ظاهرة علوية، صدرت عنه أفعال فاضلة كريمة، كقوله تعالى: { والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه} (الأعراف:58)، وإن كانت نفساً كدرة نذلة خبيثة ظلمانية سفلية، صدرت عنه أفعال خسيسة فاسدة، كقوله تعالى: { والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} (الأعراف:58). وما جوزه الرازي قريب مما تقدم، وليس ببعيد عنه. وهذه الآية تهديد للمشركين، ووعيد لهم، وهي بمعنى قوله تعالى: { وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون} (هود:121-122)؛ ولهذا قال: { قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}، أي: منا ومنكم، وسيجزي كل عامل بعمله، فإنه لا تخفى عليه خافية.
تفسير: &Quot;قل كل يعمل على شاكلته&Quot;
ومن البحوث والبصائر التي يناقشها الكتاب في الآية الكريمة أن (الشاكلة) تستبطن المعاني التالية: النية، الحالة، الملكة، الطبيعة، المزاج، والطريقة والمذهب. وقد سبقت الإشارة بشكل عابر إلى ذلك، فإن النية هي قائد العمل، وهي التي تهندس اتجاه الإنسان في الحياة، وثانياً وثالثاً: الحالة والملكة والفرق بينهما أن الحالة إذا ترسخت وتجذرت كانت ملكة، والملكة إذا ضعفت صارت حالة، فإن الصفات حقائق تشكيكية ذات مراتب فإذا كانت المرتبة مرتبةً دنيا أو مرتبة دنيا جداً كانت حالة، والحالة هي التي تزول بسرعة وإلا كانت ملكة؛ ومن أمثلة الملكة العدالة والشجاعة والكرم والسماحة إذا كانت راسخة في النفس. وأما الحالة فلها نوعان من المصاديق: الأول: الحالات الطارئة التي تعتري الإنسان أحياناً كموجة من الغضب تتملكه لساعات مثلاً وإن كان بالذات حليماً. ورابعاً: المزاج، والفرق بين الملكة والمزاج أن الملكة تطلق عادة على الصفات النفسية، أما المزاج فيطلق على الحالات الجسدية أو المادية ككون مزاجه دموياً أو بلغمياً أو صفراوياً. ويطرح الكتاب بحثا تحت عنوان كيف نكبح الشواكل؟ ويرى ان العوامل المؤثرة في كبح الشواكل أو السيطرة عليها هي عوامل كثيرة، منها: نظام المثوبات.
من ذلك نستجلي ما يجب أن تكون عليه نظرة الإنسان إلى أعمال الناس، نظرة أساسها حسنُ الظن بهم، فربُّنا أعلم بهم. وفي ذلك تأطير وإشارة إلى ما يجب أن يفعله الإنسان في سياق ذلك، فبدل المقارعة المباشرة والصريحة والفظة والغليظة للناس من خلال أعمالهم بنقدها وذمِّها حكمًا واستنتاجًا وظنًّا، ربُّنا أعلم وأدرى به منا. وجب الاتجاه إلى منهج التذكير بسبل الرشاد والصلاح والخير، وسعيًا إلى إبرازها وتجليتها وتبيانها وإبلاغها، فتكون العِبرة والمثل والإشارة والذكرى الحسنة والطيبة والسمحة، فيبلغ ذلك إلى الإنسان الذي يعي بفطرته مدى استقامة أعماله من عدمها، والذي يملك إرادة الاختيار والفعل، فيكون وازعًا له للاستقامة والإصلاح، أو سببًا في مزيد إصراره على الفساد وعدم الصلاح واتباع سبيل الغي والمعصية والمخالفة للمنهج الذي فُطر عليه الإنسان. إذًا فعلمُ مَن أقربُنا إلى سبل الصلاح والرشد والهداية والاستقامة - أمرٌ موكول إلى ربنا، ومنه يتوجب علينا السعي إلى تبيان وتوضيح وذكر ما أجمع الناس عليه من مكارم الأخلاق وحسن الأعمال، ورصد وإبراز ذميمها ومكروهها؛ حجةً ودليلًا، ومثلًا وعبرة، وللإنسان إرادةُ الاختيار في إصلاح ذات شاكلته أو ذات بينه.
المعنى الثالث: الشكل بمعنى الهيئة، وعليه: فإن قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ يعني على حسب هيئته النفسية، أي على حسب صورته المحسوسة أو المتوهمة، وهو قريب من المعنى الثاني. وفي مبحث ثاني يرى المؤلف ان الشاكلة مرجّح وليست عِلّةً ومجرد مقتضٍ للعمل على طبقها وليست عِلّة تامة لصدور الأفعال من الإنسان بدون إرادة واختيار، ولشهادة الوجدان بأن ما يعمله الإنسان من خير أو شرّ فإنما يعمله باختياره وليس مجبولاً أو مجبوراً عليه وأن نفسه أو شاكلته إنما هي داعٍ أو مقتضٍ أو مشوِّق أو محفّز فقط من غير أن يصل إلى درجة الجبر، نعم درجات الداعوية والتحفيز والتشويق مختلفة فقد تكون ضعيفة أو متوسطة أو قوية أو حتى قوية جداً ولكن لا بدرجة تسلب الاختيار. وفي بحث آخر يناقش المؤلف صناعة الشواكل حيث يرى إن الشاكلة ليست أمراً لا اختيارياً محضاً، بل هي أمر اختياري إما في أصلها أو في بعض مراتبها ودرجاتها أو في بعض تجلياتها، وعلى أي فإن الانبعاث عنها ليس قسرياً، بل هي دافع اقتضائي قوي تارة، وضعيف تارة أخرى، نحو الأعمال المتسانخة مع الشاكلة. كما يناقش الكتاب في بحث آخر تأثير الشاكلة على (العمل) أو على (الفهم) وأنه لماذا اقتصر جل اسمه على (العمل على الشاكلة) ولم يستخدم كلمة أخرى تعمّ (الفهم) وتشمله أيضاً؛ وذلك لأن الكل يفهم على شاكلته وليس يعمل على شاكلته فقط.