وقد قيل:
العلمُ يرفعُ بيتًا لا عِمادَ له *** والجهلُ يهدِمُ بيتَ العزِّ والشَّرَفِ
ولا يثمر العلم إلا بالصبر؛ قال ابن هشام:
ومَن يصطَبِر للعلم يظفر بنَيْلِه *** ومَن يخطبِ الحسناءَ يصبِرْ على البذلِ
فإذا أردت الرفعة في الدارين، فاسلك سبيل العلم ترق إلى العلا. العِلمُ يَنهَضُ بِالخَسيسِ إِلى العُلا *** وَالجَهلُ يَقعُدُ بِالفَتى المَنسوبِ
[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 18، 19. [2] مدارج السالكين (3/ 418). القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة آل عمران - الآية 47. [3] سُورَةِ الرَّعْدِ: الآية/ 19. [4] مشكل الآثار - شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن. مرحباً بالضيف
- كن مع الله نقيا لا تبالي
- كن مع الله يكون دوما معك
- كن مع الله الظفيري
كن مع الله نقيا لا تبالي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
يجب على المسلم أن يكون صادقاً في أقواله وأفعاله وعقيدته؛ لأن الصدق يرفعه منزلةً عاليةً عند الله تعالى وعند خلقه، والصدق: هو استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، بألاَّ تُكذِّب أحوالُ العبد أعمالَه، ولا أعمالُه أحوالَه. إخوتي الكرام.. الصدق خلق كريم، لا يتَّصف به إلاَّ ذو القلب السليم، وقد أمر الله تعالى به في كتابه، فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]. والصدق خلق الأنبياء، فأول ما يجب أن يتصف به النبي هو الصدق، إذْ يستحيل أن يبعث الله تعالى كذَّاباً، فتأييد الله تعالى له بالآيات البينات دليل على صدقه، كما أن اتباع الناس له، وظهور أمره كل ذلك يدل على صدقه. قال الله تعالى في إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41]، وقال في إدريس - عليه السلام - مثل ذلك. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 82. وقال في إسماعيل - عليه السلام -: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ﴾ [مريم: 54].
كن مع الله يكون دوما معك
هذه مقومات النجاح لمن أرادها، وبراهين الفوز لمن تمسك بها، "فمَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ". بلغنا الله وإياكم منازل الأبرار، بجوار النبي المختار، { فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54، 55]. من أراد أن تكتمل سعادته فاليسعَ في فكاك نفسه من تعلق الحقوق على رقبته فهي من كمال الخشية وصدق الإقبال على الله.. وللرسول وصحابتِه القدحَ المعلى في ذلك. لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قدم على أبي بكر مالُ البحرين، فأمر مناديا فنادى: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين أو عِدةُ فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا » قال: فأعطاني، خمس مائة. كن مع الله الظفيري. متفق عليه. لا يمكن أن يكون الإنسان مخبتًا حتى يكون لحقوق الخلق مؤديا « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ » (أخرجه مسلم). ولا يمكن أن ينجو المرء بصلاحه وعبادته وهو لأسرته وأهل بيته مضيعًا، ولتربيتهم مهملا «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ».
كن مع الله الظفيري
« مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » متفق عليه. اللهم اهدنا بهداك واجعل أعمالنا في رضاك اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا...
كن عالمًا أو متعلمًا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [1]. تأمل فضل العلم في هذه الآية، ورفعة شأن العلماء، فقد قرن الله تعالى شهادته بشهادة أهل العلم، وهو شرف دونه كل شرف. كن مع الله يكون دوما معك. وأشهدهم على أَجَلِّ مَشْهُودٍ بِهِ، وهو التوحيد ودين الْإِسْلَامِ الذي ارتضاه سبحانه وتعالى لعباده. قال ابن القيم رحمه الله:
(تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: أَجَلَّ شَهَادَةٍ، وَأَعْظَمَهَا، وَأَعْدَلَهَا، وَأَصْدَقَهَا، مِنْ أَجَلِّ شَاهِدٍ، بِأَجَلِّ مَشْهُودٍ بِهِ) [2]. ولا يستوى عالمٌ أنار الله بالعلم بصيرته، وجاهلٌ عميت بصيرته فهو يتخبط في ظلمات جهله؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ﴾ [3]. فَاحْرِصْ أَنْ تكونَ عَالِمًا أو متعلمًا؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «اغْدُ عالِمًا، أو مُتعلِّمًا، ولا تَغْدُ إمَّعةً فيما بيْنَ ذلك» [4].