قوله: 36- "أليس الله بكاف عبده" قرأ الجمهور "عبده" بالإفراد. وقرأ حمزة والكسائي "عباده" بالجمع، فعلى القراءة الأولى المراد النبي صلى الله عليه وسلم أو الجنس، ويدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولاً أولياً، وعلى القراءة الأخرى المراد الأنبياء أو المؤمنون أو الجميع، واختار أبو عبيد قراءة الجمهور لقوله عقبه ويخوفونك والاستفهام للإنكار لعدم كفايته سبحانه على أبلغ وجه كأنه بمكان من الظهور لا يتيسر لأحد أن ينكره. معاني القرآن وإعرابه للزجاج - الجزء: 4 صفحة: 355. وقيل المراد بالعبد والعباد ما يعم المسلم والكافر. قال الجرجاني: إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر هذا بالثواب، وهذا بالعقاب. وقرئ بكافي عباده بالإضافة، وقرئ يكافي بصيغة المضارع، وقوله: "ويخوفونك بالذين من دونه" يجوز أن يكون في محل نصب على الحال، إذ المعنى أليس كافيك حال تخويفهم إياك، ويجوز أن تكون مستأنفة، والذين من دونه عبارة عن المعبودات التي يعبدونها "ومن يضلل الله فما له من هاد" أي من حق عليه القضاء بضلاله فما له من هاد يهديه إلى الرشد ويخرجه من الضلالة. 36. قوله عز وجل: " أليس الله بكاف عبده "؟ يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو جعفر و حمزة و الكسائي: (( عباده)) بالجمع يعني: الأنبياء عليهم السلام، قصدهم قومهم بالسوء كما قال: " وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه " (غافر-5)، افكفاهم الله شر من عاداهم، " ويخوفونك بالذين من دونه "، وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة الأوثان.
معاني القرآن وإعرابه للزجاج - الجزء: 4 صفحة: 355
وإمام الصديقين جميعهم والغرة علي جبينهم هو أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ولتعرف قدره مكانته في هذا الدين العظيم، فقد حدث يوماً خلاف بينه وبين عمر ـ رضي الله عنه ـ حتى أغضبه، ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فغضب لغضب أبي بكر وقال:(إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي) ـ رواه البخاري عن أبي الدرداء. (وأولئك هم المتقون)، في الدنيا جعلوا أمر الله مقدم علي رغباتهم ومشيئة الله مقدمة علي مشيئتهم ومراد الله مقدم علي مرادهم، فهناك لهم ما يشاءون، وتصبح مشيئتهم قدراً، فلا يتأخر عنهم طلب ولا تُحجب دونهم حاجة، فكم ضحوا في الدنيا بشهواتهم من أجل الله؟ وكم تركوا لله من رغباتهم؟ وكم حبسوا أنفسهم عن المعاصي والغفلات؟ لقد تعاملوا مع الله كأنهم يرونه، وإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، فموعدهم هناك في الجنة حيث جزاء المحسنين فنعم أجر العاملين. (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)، تكفير الذنب هو تغطيته وستره وإزالته كأنه لم يكن، وذلك درجة الإحسان من ربهم وهي فوق العدل، فالله قد أظهر منهم الجميل وستر فيهم القبيح، والمؤمن عند الحساب يستره ربه عن أعين الخلق ويضع عليه كنفه ويغفر له ذنبه، فحسناته مقبولة وسيئاته مغفورة، وانظر إلى فضل الله وعطائه في سيئة تاب العبد منها:ستر ومحو من الصحيفة وتبديل للسيئة بحسنة.
⁕ حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ قال: يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه. وقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾
يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله فيضلَّه عن طريق الحق وسبيل الرشد، فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ، ومُوفِّق للإيمان بالله، وتصديق رسوله، والعمل بطاعته ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ يقول: ومن يوفِّقه الله للإيمان به، والعمل بكتابه، فما له من مضلّ، يقول: فما له من مزيغ يزيغه عن الحق الذي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ يقول جل ثناؤه: أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه، ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته.