يتبيَّن من هذا أن الحج لو كان واجبًا على الفور، لما أخَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم [19]. • ويُرَدُّ على هذا بأن تأخيرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان لانشغاله بأمر الدعوة، ولقائه بالوفود، وانشغاله بالتبليغ خارج عن ذلك؛ لأننا نتكلَّم فيمَن توافرت فيه الاستطاعة [20]. 3- من المعقول: أن الحج لو كان على الفور ثم تركه المكلَّف سنة أو أكثر بعد استطاعته، ثم فعله، لكانت العبادة قضاءً لا أداءً [21]. لكن الثاني (كون العبادة قضاءً) باطل، فبطل المقدم (كون الحج على الفور)، وثبت نقيضه، وهو كون الحج على التراخي [22]. • ويُرَدُّ قولهم: إن الأمر بالحج قد ورد مطلقًا عن التقييد، بأن حمل المطلق على الفور أولى من حمله على التراخي؛ احتياطًا لما قلنا إنه قد يأتي العام القادم وقد ذهب ماله. • والراجح: هو قول جمهور الفقهاء، القائلين بوجوب الحج على الفور؛ وذلك لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الأجل، ويُؤيِّده حديث: ((مَن استطاع الحج فلم يحج، فليمُتْ إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا)). الحكمة من مشروعية الحج والعمرة. [1] لسان العرب ج2 ص216. [2] فتح القدير ج2 ص408. [3] أحكام القرآن؛ لابن العربي ج3 ص1279. [4] نيل الأوطار ج4 ص279. [5] نيل الأوطار ج 1ص 284.
* الحكمة من مشروعية الحجاب
• ومن الحكم أنه تلبيةٌ لأمر الله، وتصديق لوعده بقبول دعوة إبراهيم - عليه السلام - واستجابة للنداء من الله - تعالى -: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا ﴾ [الحج: 27] [10]. • وفي الحج تدريبٌ على تحمُّل المشاقِّ النفسية والبدنية التي يتعرَّض لها الحجيج، ففيه مفارقةُ الأهل والأوطان، والتعرض لمشاقِّ الطريق، ووعثاء السفر، كلُّ ذلك يَهونُ بمشاهدةِ بيت الله الحرام، ومعرفة المكان الذي وُلِد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بل إن شئت فقل: وضعتُ أقدامي على أرضٍ مشى عليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم. • إلى جانب الفيوضات التي تراها في مشاهدة الكعبة المشرفة، وفي الطواف والسعي، وفي الشرب من ماء زمزم، التي جعلها الله - تعالى - طعام طُعْم، وشفاء سقم. الحكمه من مشروعيه الحج والعمره. • وفي الحج نلاحظُ توحيدَ الصفِّ الإسلامي، فالكلُّ مِن جميع الأنحاء اجتمعوا في وقت واحد، وفي مكان واحد، على دين واحد، اجتمع الكل على حب الله - تعالى - وحب رسوله. • وفي الحج تجرُّد من زينة الحياة الدنيا، والإقبال على الله - تعالى - ففي ملابس الإحرام مساواة بين الغني والفقير. • وفي الحج رواج اقتصادي، فمن خلال وصول الحجَّاج إلى الأراضي المقدسة تنتعش التجارة بصورة ملحوظة.
2- ومن السنة: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أراد الحج، فليُعجِّل))، وفي رواية أخرى: ((مَن أراد الحج، فليُعجِّل؛ فإنه يمرَضُ الصحيح، وتضِلُّ الدابَّة، وتعرِضُ الحاجةُ)) [16] ، وفي هذه الروايات دلالة واضحة على الفورية في الحج. ص27 - كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي - النساء اللاتي يحرم نكاحهن - المكتبة الشاملة. 3- ومن المعقول: أن الأمر بالحج في وقته مطلق يحتمل الفور ويحتمل التراخي، والحمل على الفور أحوط؛ لأنه إذا حُمِل عليه يأتي بالفعل على الفور ظاهرًا وغالبًا؛ خوفًا من الإثم بالتأخير، فإن أُرِيد به الفور، فقد أتى بما أُمِر به فأمِن الضرر، وإن أُرِيد به التراخي، لا يضرُّه الفعل على الفورِ، بل ينفعه لمسارعته إلى الخير [17]. دليل المذهب الثاني القائلين بأن الحج على التراخي:
1- قوله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]. قال محمد [18]: إن الله - تعالى - فرض الحج في وقت مطلقًا؛ لأن الآية مطلقةٌ عن الوقت، فتقييدُه بالفور تقييد للمطلق، ولا يجوز تقييده إلا بدليل. 2- من السنة المشرفة: استدلُّوا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقد مكث في المدينة تسع سنين، ثم أُذِّن في الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجٌّ هذا العام، فنزل بالمدينة بشرٌ كثير، كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم.