وتشمل العبادة فعلَ الواجب والمستحب، وترك المحرَّم والمكروه، بل وتشمل المباح مع النية فعلًا أو تركًا من جميع أعمال القلوب والجوارح؛ فكلها مع النية عبادات؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((وفي بُضْعِ أحدكم صدقةٌ))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ)) [2]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - [3]: "فالمؤمن إذا كانت له نية أتت على جميع أفعاله، وكانت المباحات من صالح أعماله؛ لصلاحِ قلبه ونيته". مطوية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) - ملتقى الشفاء الإسلامي. ولهذا قال بعض أهل العلم: "الموفَّقون عاداتهم عبادات، والمخذولون عباداتهم عادات". والعبادة تقوم على أصلين: الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهما شرطا صلاحِ العمل. قوله: ﴿ رَبَّكُمُ ﴾ الربُّ: هو الخالق المالك المتصرف في خلقه، وفي إضافة اسم الرب إلى ضمير المخاطبين - وهم الناس - تذكيرٌ لهم بربوبيته عز وجل لهم، ربوبية عامة ليعبدوه وحده؛ لأن الإقرار بتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، كما أن فيه تكريمًا لهم، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70].
مطوية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) - ملتقى الشفاء الإسلامي
ويُستفاد من هذه الآية الكريمة أنه تعالى يريدُ من عباده استحضارَ مراقبتِه لهم؛ لأن هذا الأسلوب في الخطاب يفيد الحضورَ؛ أي حضور القلب والبال، وهذا هو مقام الإحسان الذي عرَّفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أن تعبد اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، وهذا المقام العالي يدفع الإنسان إلى تحقيق التقوى لله في خلوتِه وخلطته، وسرِّه وعلانيته، ويدفعه إلى إتقان العبادة؛ لأنه يستحضر أن ربه يراه فيحرصُ على أن يُرضيَه، وإن أخطأ أو قصَّر يسارع بالتوبة والأَوْبة، فمن وُفِّق لهذا المقام فهو حيُّ القلب، مستنيرُ اللبِّ، مستمتع بالقرب من الرب. ولفظ " الناس " في الآية عامٌّ يدخل فيه الإنس والجن؛ لاتِّصافهم بالنسيان، ويدخل فيهم المسلمون والمشركون، فالمسلم مأمور بالاجتهاد في تحقيق العبودية لربه، والتوحيد له سبحانه، والحفاظ على ذلك، والمشرك مأمور بترك شركه، والرجوع إلى توحيد ربه.
البقرة الآية ٢١Al-Baqarah:21 | 2:21 - Quran O
وكان مجاهدٌ يقولُ في تأويل قوله: " لعلكم تتقون ": تُطيعون. 474- حدثنا ابن وكيع, قال: حدثني أبي، عن سفيان, عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، في قوله: " لعلكم تتقون " ، قال: لعلكم تطيعون (121). قال أبو جعفر: والذي أظن أنّ مجاهدًا أراد بقوله هذا: لعلكم أنْ تَتقوا رَبَّكم بطاعتكم إياه، وإقلاعِكم عن ضَلالتكم. قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال جل ثناؤه: " لعلكم تتقون " ؟ أو لم يكن عالمًا بما يصيرُ إليه أمرُهم إذا هم عبدوه وأطاعُوه, حتى قال لهم: لعلكم إذا فعلتم ذلك أن تتقوا, فأخرج الخبر عن عاقبة عبادتهم إياه مخرج الشكّ؟ قيل له: ذلك على غير المعنى الذي توهَّمتَ, وإنما معنى ذلك: اعبدُوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم, لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بالربوبية والعبادة (122) ، كما قال الشاعر: وَقُلْتُــمْ لَنَـا كُفُّـوا الْحُـرُوبَ, لَعَلَّنَـا نَكُــفُّ! وَوَثَّقْتُـمْ لَنَـا كُـلَّ مَـوْثِقِ (123) فَلَمَّـا كَفَفْنَـا الْحَـرْبَ كَـانَتْ عُهُودُكُمْ كَــلَمْحِ سَـرَابٍ فِـي الْفَـلا مُتَـأَلِّقِ (124) يريد بذلك: قلتم لنا كُفُّوا لنكفّ. وذلك أن " لعل " في هذا الموضع لو كان شَكًّا، لم يكونوا وثقوا لهم كل مَوْثق.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ "لعل" للتعليل؛ أي: لأجل أن تتقوا الله وتنجوا من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ولتكونوا من المتقين. المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
[1] انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (10/ 149). [2] أخرجه مسلم في الزكاة (1006)، وأحمد (5/ 167)- من حديث أبي ذر رضي الله عنه. [3] في "السياسة الشرعية" ص (148). [4] انظر: "ديوانه" ص86. [5] انظر: "مجموع الفتاوى" (16/60).