وذلك قبل ظهور المنافقين فلم يكن قوله: { ويعلم ما تسرون وما تعلنون} تهديداً على ما يبطنه الناس من الكفر. وأما عطف { وما تعلنون} فتتميم للتذكير بعموم تعلق علمه تعالى بالأعمال. وقد تضمن قوله: { ويعلم ما تسرون وما تعلنون} وعيداً ووعداً ناظريْن إلى قوله: { فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [ التغابن: 2] فكانت الجملة لذلك شديدة الاتصال بجملة { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [ التغابن: 2]. وإعادة فعل { يعلم} للتنبيه على العناية بهذا التعلق الخاص للعلم الإِلهي بعد ذكر تعلقه العام في قوله: { يعلم ما في السموات والأرض} تنبيهاً على الوعيد والوعد بوجه خاص. الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-08a-8. وجملة { والله عليم بذات الصدور} تذييل لجملة { ويعلم ما تسرون} لأنه يعلم ما يُسِرُّه جميع الناس من المخاطبين وغيرهم. و { ذات الصدور} صفة لموصوف محذوف نزلت منزلة موصوفها ، أي صاحبات الصدور ، أي المكتومة فيها. والتقدير: بالنوايا والخواطر ذات الصدور كقوله: { وحملناه على ذات ألواح} [ القمر: 13] وتقدم بيانه عند قوله تعالى: { إنه عليم بذات الصدور} في سورة [ الأنفال: 43]. إعراب القرآن: «يَعْلَمُ» مضارع فاعله مستتر والجملة استئنافية لا محل لها «ما» مفعول به «فِي السَّماواتِ» متعلقان بمحذوف صلة الموصول «وَالْأَرْضِ» معطوف على السموات.
- الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-08a-8
الشيخ محمد بن صالح العثيمين-تفسير القرآن الكريم-08A-8
فوائد قول الله تعالى: (( إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور)) حفظ Your browser does not support the audio element. ثم قال اللهُ تعالى: (( إنَّ الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور)) صلَةُ هذه الآية بما قبلَها بيَّنَاه فيما سبق أنَّه لما ذَكَر أحوالَ الطائعين ومثوبَتَهم وأحوالَ العاصِين وعقوبَتهم بيَّن أنَّ هذا صادرٌ عن علم تامّ فإنَّ الله تعالى عالِمُ غيبِ السماوات والأرض وعالم ما في الصدور. من فوائد هذه الآية إثباتُ عمومِ علمِ الله لقوله: (( عالم غيب السماوات والأرض)) هذا واحد، ثانيًا: إثبات علمِ الله بما في قلوبِ بني آدم وغير بني آدم لقولِه: (( إنَّه عليم بذات الصدور)). ومِن فوائدِها التحذير مِن أن يُضْمِرَ الإنسان في قلبِه ما لا يرضاه الله ثم تُحَدِّثُه نفسه بأن هذا لا يَطَّلِع عليه إلا الله فيغْتَرّ بإمهال الله له وجهُ ذلك: (( إنه عليمٌ بذات الصدور)). ومن فوائدها أيضًا العكس وهو أنَّ الإنسان إذا أَضمَرَ في نفسه خيًرا فإن الله يعلمه وسوف يثِيبُه عليه. ومن فوائدها الإشارة إلى أنَّ المدار على ما في القلب لقولِه: (( عليمٌ بذات الصدور)) وذات الصدور هي القلوب لأنها الساكِنة فيها كما قال الله تعالى: (( ولكن تعمى القلوب التي في الصدور))
ابن عاشور: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) جملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض} استئناف واصل بين جملة { إن الله بعباده لخبير بصير} [ فاطر: 31] وبين جملة { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض} [ فاطر: 40] الآية ، فتسلسلت معانيه فعاد إلى فذلكة الغرض السالف المنتقل عنه من قوله: { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم} إلى قوله: { إن اللَّه بعباده لخبير بصير} [ فاطر: 25 31] ، فكانت جملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض} كالتذييل لجملة { إن اللَّه بعباده لخبير بصير}. وفي هذا إيماء إلى أن الله يجازي كل ذي نية على حسب ما أضمره ليزداد النبي صلى الله عليه وسلم يقيناً بأن الله غير عالم بما يكنه المشركون. وجملة { إنه عليم بذات الصدور} مستأنفة هي كالنتيجة لِجملة { إن الله عالم غيب السماوات والأرض} لأن ما في الصدور من الأمور المغيبة فيلزم من علم الله بغيب السموات والأرض علمه بما في صدور الناس. و «ذات الصدور» ضمائر الناس ونِيَّاتهم ، وتقدم عند قوله تعالى: { إنه عليم بذات الصدور} في سورة الأنفال ( 43). وجيء في الإِخبار بعلم الله بالغيب بصيغة اسم الفاعل ، وفي الإِخبار بعلمه بذات الصدور بصيغة المبالغة لأن المقصود من إخبار المخاطبين تنبيههم على أنه كناية عن انتفاء أن يفوت علمَه تعالى شيءٌ.