وتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك، تشكو ربك للعبد الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضُرًّا، فأين شكر الله على نعمه التي لا تحصى ولا تُعَدُّ؟
قال بعض الأفاضل: إننا ننسى أن نشكر الله تعالى؛ لأننا لا نتأمَّل في البركات، ولا نحسب ما لدينا؛ ولأننا نرى المتاعب فنتذمَّر، ولا نرى البركات. الله يحب المحسنين في القرآن الكريم. وها هو الحسن البصري يقرأ هذه الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90] الآية، ثم وقف فقال: إن الله جمع لكم الخير كله والشرَّ كله في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئًا من طاعة الله عز وجل إلَّا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئًا، إلَّا جمعه. وبعدُ، ليعرف كلُّ واحد منا الله في الرخاء، ليَعرفه في الشدة، ولنداوم على عبادته وطاعته في الصحة والعافية، ليعيننا في مرضنا وعجزنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. فأكثروا من ذكره بلسانكم والشكر له من قلوبكم، ولن تجدوا إلَّا المزيد من النِّعَم، ولن ترضوا إلا بالقناعة، والله المستعان وعليه التُّكلان.
إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - القول في تأويل قوله تعالى " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "- الجزء رقم4
[٢] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِن مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا والشَّيْطانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صارِخًا مِن مَسِّ الشَّيْطانِ إيَّاهُ، إلَّا مَرْيَمَ وابْنَها، ثُمَّ يقولُ أبو هُرَيْرَةَ: واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {وَإنِّي أُعِيذُها بكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ}"،[٣] وهو حديثٌ صحيح رجاله رجال الشيخين، أخرجه البخاري ومسلم والطبري والبغوي وأحمد وأبو يعلى وغيرهم. [٤] عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَنَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عن وَجْهِهِ بيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِن سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ"،[٥] وهو حديث يدلُّ على عظيم الآيات العشر الأواخر من السورة، وهو حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والطبراني والبيهقي وغيرهم.
الله يحب المحسنين في القرآن الكريم
فمن صور الإساءة وأمثلتها: • ترك الإخلاص في عبادة الله تعالى، أو أداء العبادة على غير ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. • وعقوق الوالدين. • وقطع الأرحام. • وسوء الجوار. • وترك الإحسان إلى الفقراء والمساكين، وغير ذلك من سيء الأقوال والأعمال مما هو ضد الإحسان. قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: (يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿ وَأَحْسِنُوا ﴾؛ أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، وتجنُّب ما أمرتكم بتجنبه من معاصيَّ. الوقفة الثالثة: في دلالة الآية على أن محبة الله تعالى تُنال بالإحسان، فكلما كان العبد أكثر إحسانًا كان أحب الله تعالى وأقرب. ومن أحبه الله أكرمه ونصره وأعانه. فمن أراد محبة الله فعليه أن يعمل بما أمر الله: { ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾} [البقرة: 195]. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة البقرة - القول في تأويل قوله تعالى " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "- الجزء رقم4. الوقفة الرابعة: في دلالة الآية على أن الله تعالى يتصف بالمحبة، فهو يحب عباده المحسنين؛ كما أخبر عن نفسه: { ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾} [البقرة: 195]. الخاتمة: على العبد أن يسعى دائمًا أن يكون في دائرة الإحسان في جميع أقواله وأعماله ونياته، فمن كان كذلك فحري به أن يجازى بالحسنى عند لقاء ربه.
إن رحمة الله قريب من المحسنين - Youtube
وقفات مع القاعدة القرآنية:
﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]
وقفات مع القاعدة القرآنية: { ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾} [البقرة: 195] المقدمة: هذه وقفات مع قاعدة عظيمة من قواعد القرآن الكريم ، ويستدل بها على جميع المسائل الدينية، واللهَ أسأل أن ينفع بها ويتقبلها. الوقفة الأولى: في دلالة الآية على أن الله تعالى يأمر بجميع أنواع الإحسان، المستحب منه والواجب. والإحسان على نوعين: الأول: الإحسان في عبادة الخالق: وهو مراقبة الله على الدوام والإخلاص له سبحانه. الثاني: بذل الخير والإحسان للمخلوقين. ومن صور وأمثلة الإحسان: الإحسانُ والإخلاص في عِبادة الله تعالى؛ كالإحسان في أداء الصلاة كما أمر الله ورسوله، والإحسان في جميع العبادات. الإحسان إلى الوالدَينِ، بالقول والفعل. الإحسان إلى الأرحام والأقارب. الإحسان إلى الجارِ. الإحسان إلى اليتامَى والمَساكين. الإحسان إلى المُسيء إليك. الإحسان في الكلام. الإحسان في الجِدال. الإحسان إلى الحيوان. وأحسنوا ان الله يحب المحسنين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ »؛ رواه مسلم. قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على هذه الآية: (أمر بالإحسان عمومًا؛ فقال: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾، وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان؛ لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدم.
ويدخل فيه الإحسان بالجاه، بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك، الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس، من تفريج كرباتهم وإزالة شداتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم، وإعانة من يعمل عملا والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي أمر الله به، ويدخل في الإحسان أيضا، الإحسان في عبادة الله تعالى، وهو كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: « أن تعبدَ الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك »). انتهى. وقال رحمه الله تعالى في "بهجة قلوب الأبرار" (ص: ٢٠٦): (الإحسانُ اصطلاحًا: الإحسانُ في عِبادةِ الخالقِ: بأنْ يَعبُدَ اللهَ كأنَّه يَراه، فإنْ لم يَكُنْ يَراهُ فإنَّ اللهَ يَراه، وهو الجِدُّ في القيامِ بحُقوقِ اللهِ على وجْهِ النُّصحِ، والتَّكميلِ لها. والإحسانُ إلى الخَلق: هو بَذْلُ جَميعِ المنافعِ لأيِّ مخلوقٍ يَكون، ولكنَّه يَتفاوَتُ بتفاوُتِ المُحسَنِ إليهم، وحقِّهم ومَقامِهم، وبحسَبِ الإحسان، وعِظَمِ مَوقعِه، وعظيمِ نَفعِه، وبحسَبِ إيمانِ المُحسِنِ وإخلاصِه، والسَّببِ الدَّاعي له إلى ذلك). الوقفة الثانية: في دلالة الآية في النهي عن الإساءة التي هي ضد الإحسان، وفي الأمر بالشيء نهي عن ضده.
ووجوه الإحسان هي بحسب الإنسان، وبحسب موقعه، وبحسب قدرته، وبحسب اهتمامه، إحسان بالمال والجهد والعلم والعمل والجاه والمنصب، والشفاعة والمشورة والنصيحة والتوجيه، وبذل الوقت والمؤانسة والكلام الطيب.. فأحسنوا إن الله يحب المحسنين. وإن كل إحسان يقدمه المرء فهو لنفسه، وعائد عليه بالحسنى والتفضل، يقول الله عز وجل: "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ".. ولن يعدم المحسن عرفاناً بالجميل في الدنيا أو الآخرة.. عليك أن تحسن في كل شيء في حياتك وليكن شعارك:... ' واحسن كما أحسن اليك'.. { الله أنزل الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد} الزمر 23. انه معنى عظيم، فانه الذي نزل علينا أحسن ما نزل من الكتاب. فلقد أحسن الله خلق الكون.. واحسن خلقتك.. واحسن الكتاب المنزل عليك.. يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. وفقنا الله والمسلمين لكل خير وجعلنا وإياكم من الْمُحْسِنِينَ.. نسألك اللهم حسن الخاتمة وأحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يارب يارب يارب يارب آمين.... لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.