[ ص: 373]
وهذه الآية إعلام من الله - تعالى ذكره - أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم ، والمشركين وأهل الكفر منهم ، وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله الذين هم أهل البصائر والجد في أمر الله ، وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه وأعداء رسوله من النصر في العاجل ، والفوز بجنانه في الآجل. تفسير : لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
5749 - حدثني محمد بن عمر قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " يقول: ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر ، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض " لفسدت الأرض " بهلاك أهلها. 5750 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر ، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها. 5751 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي ، عن حنظلة ، عن أبي مسلم قال: سمعت عليا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.
- ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض
- ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض | موقع البطاقة الدعوي
- تفسير : لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض
وقال ابن عباس: ولولا دفع الله العدو بجنود المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخربوا البلاد والمساجد. وقال سفيان الثوري: هم الشهود الذين تستخرج بهم الحقوق. وحكى مكي أن أكثر المفسرين على أن المعنى: لولا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم ، وكذا ذكر النحاس والثعلبي أيضا. قال الثعلبي وقال سائر المفسرين: ولولا دفاع الله المؤمنين الأبرار عن الفجار والكفار لفسدت الأرض ، أي هلكت وذكر حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يدفع العذاب بمن يصلي من أمتي عمن لا يصلي وبمن يزكي عمن لا يزكي وبمن يصوم عمن لا يصوم وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يجاهد عمن لا يجاهد ، ولو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء ما أنظرهم الله طرفة عين - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة تنادي كل يوم لولا عباد ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا خرجه أبو بكر الخطيب بمعناه من حديث الفضيل بن عياض. حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا فيكم رجال خشع وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المؤمنين صبا.
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض | موقع البطاقة الدعوي
..
من حِكم مشروعية الجهاد: حفظ العالم من الفساد
قال الله تعالى: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج/40. وقال: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة /251. قال مقاتل رحمه الله:
" لولا دفع الله المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المسلمين ، و خربوا المساجد ".
تفسير : لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لكن شتان بين مَن يوقن بوعد الله الذي يدبِّر الأمر، وأن كيد الكافرين في ضلال، فيدعو الله مخلصًا له الدين ولو كره الكافرون، وهو آخذ بالأسباب الممكنة، وبين مَن يستغلقه مشهد قوة البشر وتخطيطهم؛ فيقع فريسة لشياطينهم، ويبيع دينه بعرض من الدنيا بموالاة أعداء الله ورسله، ومعاداة أمته ووطنه ويبيع قضاياه، ويسعى لتدميره وتخريبه، بزعم أنه لا يمكنه غير ذلك.
وقد ربط الله صلاح الأرص بالتدافع، فلو توقف هذا التدافع لحظة لفسدت الأرض، فالصراع سُنة ماضية، ولو تغلَّب الحقُّ على الباطل على الدوام لم يكن لاختبار الناس معنى، ولا للدنيا مغزى؛ لأنها الناس كلهم كانوا سينحازون لمعسكر الحق، ولن يبقى مع الباطل أحد! وكذلك لو تغلب أهل الباطل في الأرض، فلم يبقَ للحق صوت ولا سلطان، لحلَّ سخط الله ومقته على أهل الأرض كما يحدث آخر الزمان، ففي الحديث أنه إذا لم يبقَ في الأرض إلا شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحُمُر، فعليهم تقوم الساعة. وختم الله الآية بقوله: { وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251]، ففضل الله على الناس يقتضي هذا التدافع، فلو استبد أهل الباطل ولم يجدوا من يقارعهم، أو تمكَّن أهل الحق على الدوام لحُرِم الناس فضلا عظيما، والدنيا دار اختبار لأهل الاختبار، وبحسب العمل فيها يتحدَّد الجزاء. ألم تسمع ما قرَّره نبيك: « وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون »؟! فلا بد أن يقف في وجه الحق أقوام، ويواجه الباطلَ أقوام، ولذا كان الصراع بين الحق والباطل قديم قِدَم الدنيا ، وباقٍ إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. هي سنة الصراع، -كما يسميها بعضهم- أو سنة المدافعة، أو سنة الخصومة، وهي سنة جارية في الكون بين المؤمنين والكافرين، بين أهل الحق وأهل الباطل، بين أولياء الله وأعدائه، وقد جعل الله الدنيا مسرح هذا التدافع، ولذا سطر ابن خلدون في تاريخه وقرَّر رحمه الله ما يلي: "اعلم أنّ الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليفة منذ براها الله وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصّب لكلّ منها أهل عصبيّته فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطّائفتان إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع كانت الحرب وهو أمر طبيعيّ في البشر لا تخلو عنه أمّة ولا جيل وسبب هذا الانتقام في الأكثر إمّا غيرة ومنافسة.