فقال: إنّما اخترتك لنفسي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى. فقمت وأنا أبكي من الجدل والسرور»(۱). قال الشاعر أبو تمام الطائي في هذا المعنى:
أخوه إذا عدَّ الفخَار وصِهْرُه ***** فَمَا مثلُهُ أخٌ ولا مِثلُه صِهْرُ
وشدّ به أزر النبيّ محمّد ***** كما شدّ من موسى بهارونه الأزرُ(۲). المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار pdf. الحديث متواتر ورواه الكثير من أهل السنّة
لاشكّ أنّ حديث المؤاخاة تواتر نقله، ولا يمكن إنكاره، ولا التشكيك فيه، ولاسيّما مؤاخاة النبيّ لعليٍّ(عليهما السلام)، سواء في المؤاخاة الأُولى في مكّة، أم في الثانية في المدينة، فقد رواه أصحاب السنن والسير والتواريخ من أعلام أهل السنّة في كتبهم، فضلاً عن علماء الشيعة، وعليه فهو حديث صحيح، ولا يعبأ بقول ابن كثير وابن حزم ـ المعروفان بالنصب والتعصّب ضدّ فضائل علي(عليه السلام) ـ بأنّه حديث غير صحيح، خصوصاً وأنّ بعض علماء أهل السنّة قد صحّحه وقوّاه. وفي هذا المجال نذكر بعض نصوص هذا الحديث وبعض مصادره من أهل السنّة:
۱ـ روي عن زيد بن أبي أوفى قال: لمّا آخى النبي(صلى الله عليه وآله) بين أصحابه، وآخى بين عمر وأبي بكر… فقال علي: «يا رسول الله، ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان من سخطة عليّ؟ فلك العتبى والكرامة».
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار – الشیعة
وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفضل للأنصار ، فمدحهم بقوله: ( لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً ، لسلكت في وادي الأنصار) رواه البخاري ، وبيّن حبه لهم بقوله ( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ؛ فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله) رواه البخاري ، ودعا لأولادهم وذرياتهم بالصلاح فقال: ( اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار ، ولذراري الأنصار) رواه أحمد ، وآثر الجلوس بينهم طيلة حياته فقال: ( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) رواه البخاري. وبهذا نستطيع أن نلمس عظمة هذا الجيل الذي تربّى على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عندما كانت الأخوة الإيمانيّة هي الأساس لعلاقاتهم ، فما أحوجنا إلى أن نتّخذ هذا المجتمع الفريد قدوة لنا في تعاملنا وعلاقاتنا.
المؤاخاة بين الصحابة - ويكيبيديا
لو لم يُشر القرآن الكريم إلى قصّة المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار ، ولو لم تأتِ النصوص النبويّة الصحيحة والشواهد التاريخيّة الموثّقة لتؤكّد هذه الحادثة ، لقلنا إنها قصّةٌ من نسج الخيال ، وذلك لأن مشاهدها وأحداثها فاقت كلّ تصوّر ، وانتقلت بعالم المثال والنظريات إلى أرض الواقع والتطبيق ، وفي ظلّها قدّم الصحابة الكثير من صور التفاني والتضحية على نحوٍ لم يحدث في تاريخ أمّةٍ من الأمم ، مما يجعلنا بحاجة إلى أن نقف أمام هذا الحدث نتأمّل دروسه ، ونستلهم عبره. تبدأ القصّة عندما خرج المهاجرون من مكّة المكرّمة ، ليصلوا إلى أرضٍ جديدة وواقعٍ مختلف ، وكان من أثر هذه الرحلة نشوء عدد من المشكلات الجديدة ، ليس أقلّها: الشعور بالغربة ومفارقة الأهل والديار ، وترك معظم الأموال والممتلكات في مكّة ، وطبيعة الوضع المعيشي والاقتصادي الجديد ، أضف إلى ذلك الآثار الصحيّة والبدنيّة التي أحدثها الانتقال المفاجيء إلى بيئةٍ أخرى ، مما أدّى إلى ظهور الأمراض في صفوفهم كالحمّى وغيرها. كل هذه الظروف تجمّعت لتشكّل ضغوطاً نفسية كبيرة ، كان لا بدّ معها من حلولٍ عمليّةٍ سريعةٍ تعوّضهم ما فقدوه في غربتهم ، وتعيد لهم كرامتهم ، وتُشعرهم بأنّهم لن يكونوا عبأً على إخوانهم الأنصار.
درس الرسول ﷺ يرسي قيم السلم والتعايش للسنة الثالثة إعدادي - الصفحة 2 من 2 - محفظتي
كانت المؤاخاة بعد بنائه عليه السلام المسجد. وقد قيل: كان ذلك والمسجد يبنى، وقال أبو عمر: بعد قدومه عليه السلام المدينة لخمسة أشهر.
وقد سجَّل التاريخ العديد من المواقف المشرقة التي نشأت في ظلِّ هذه الأخوة، ومن ذلك ما حصل بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع رضي الله عنهما، حيث عرض سعد على أخيه نصف ماله ليأخذه، بل خيَّره بين إحدى زوجتيه كي يطلِّقها لأجله، فشكر له عبد الرحمن صنيعه وأثنى على كرمه، ثم طلب منه أن يدلّه على أسواق المدينة، ولم يمرّ وقتٌ قصير حتى استطاع عبد الرحمن بن عوف أن يكون من أصحاب المال والثراء. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إن كثيرًا من الأنصار عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم الأراضي الزراعيَّة بينهم وبين إخوانهم من المهاجرين، ولكنّ النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن تقوم هذه المواساة دونما إضرارٍ بأملاكهم، فأشار عليهم بأن يحتفظوا بأراضيهم مع إشراك إخوانهم المهاجرين في الحصاد، وقد أورث صنيعهم هذا مشاعر الإعجاب في نفوس المهاجرين، حتى إنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، ما رأينا قومًا قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً في كثير منهم، لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كلّه". كما كانت تضحياتهم ومواقفهم النبيلة سببًا في مدح الله لهم بقوله: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].