سهير جرادات
انت من وين؟! أنا من #بلد.. #الكرم و #النخوة والطيبة، والشهامة وعزة النفس واللطف والجمال ، كشرتتنا هيبة ووقار ، وأكلتنا #المنسف ( يدحبر) باليد ، ولبن #الجميد يجب أن (يشر) من الكوع ، زيته ذهب ، تحلياته #الخبيصة واللزيقيات والهيطلية ، و #الأهازيج فيه ما زالت تتغنى بوصفي. أنا من بلد.. #الغلاء الفاحش ، و #الفساد الواسع ، و #الفقر المنتشر، والبطالة المرتفعة والمديونية المتزايدة ، والضرائب العالية والأجور المتدنية.. التقاعد فيه عقاب ، والأولوية فيه للواسطة والمحسوبية. أنا من بلد.. شعبه مديون ، بيته مرهون ، سيارته بالاقساط، مدارسه أكثرها على فترتين ، الغرف الصفية مكتظة ، وسائل النقل مهترئة وضعيفة ، الراتب لا يكفي إلا ليوم 10 في الشهر ، النفقات تفوق الدخل ، الجيوب مفلسة والمعد خاوية والقلوب ترتجف خوفا على مستقبلها. أنا من بلد.. كل شيء فيه بالواسطة ، التعليم بمكرمة والعلاج بـ( مهته)، وللحصول على حقك الذي نص عليه الدستور عليك أن تقف بالساعات لتحصل على "الإعفاء"، مؤسساته خصخصت أو بيعت بثمن بخس ، شوارعه محفرة ومرقعة ، ومطباته السياسية ألعن وأخطر من مطبات الشوارع. أنا من بلد. الأحكام العرفية ، والحكومة العسكرية وأوامر الدفاع ، جيشه قدم العروبة على الوطنية ( الجيش العربي الأردني) ، والعشائر فيه مُحاربة ، ورموزه حطمت ، وفيه قزم كبيرنا، حتى لم يبق لنا كبير ، لا يحاسب فيه المخطىء والمسيء ، الرواتب تخفض بأمر ، وتدمر قطاعات بأمر ، زراعتنا وسياحتنا لا يراد لهما الانتعاش.
قالت لي انت من وين
يعد فيه المحترم والملتزم بالمثل والقيم والأخلاق "أهبل" ، ويطلق على " العاطل " عن العمل " هامل " ، الولد الشاطر الفهلوي يقال عنه "طالع لابوك " ،وإذا كانت علاماته متدنية في الدراسة "طالع لأمك " ، وإذا كان أزعر و"سرسري" يقال عنه "مخول" ، ومن ينهب خيرات الوطن ينعت بالشاطر والذكي ، والوطني والملتزم بالمبادىء والاخلاقيات يوصف بــ"الغبي". الزوجة فيه نكره.. لا يتداول اسمها ولا ينطق ، وتسجل تحت اسم ( البيت – الدار – العيلة – الجماعة) ، والأم اسمها محرم تسجل تحت اسم ( الحجة – نبع الحنان – ست الكل) ، والحبيبة تسجل تحت اسم (الميكانيكي ابو أحمد). مفهوم الحرية فيه خاطىء ، ووسائل التواصل فيه لنشر الأحقاد ، والقانون وضع ليطبق على ناس وناس ، الغالبية فوق القانون والقلة تحت القانون. أنا من بلد ،يوجه اليك هذا السؤال يوميا: من وين الأخ ؟؟! أقرأ التالي
2022/04/28
من يعلك من.. ؟
ما بدي حدا يسألني: كيفك؟
الكهانة ليست سياسة
كيف انتحر عمرو بن كلثوم
جلجامش وسر الخلود
إذا تعرضت لحادث سير أول سؤال لك، أنت من أين؟ إذا راجعت طبيباً، أنت من أين؟ إذا ساقك القدر إلى ميكانيكي، بنشرجي، كهربجي، أنت من أين؟ إذا قررت ترشيح نفسك، أنت من أين؟ إذا تقدمت لوظيفة، أنت من أين؟ إذا وقفت في أي طابور – حتى لو كان العاشر- ، أنت من أين؟
إستوقفني هذا السؤال مطولاً، وبت حيران أسأل نفسي هل نحن بلا هوية حتى نُسأل هذا السؤال، أم نحن نكرة لا يحق لنا التحدث ومشاركة الآخرين بعض الأفكار والطروحات، ثم الأهم من ذلك كله ماذا سيُستفيد السائل معرفة أنت من أين، وما الذي يُبطنه خلف ذاك السؤال؟ وهل إذا عرف أنت من أين سيغير رأيه إيجابا أم سلبا! ؟
سابقاً،كانت أجوائنا أسرية مفعمة بالحب والانتماء والولاء، نتقاسم ضنك الحياة بما فيها من نكد، وتجسدت بيننا علاقات تاريخية روابطها عربية الانتماء هاشمية الولاء، لا تكاد تميز فقيراً من غني، شيخاً من راعي غنم، أبناء الذوات من أبناء الذات. أما اليوم فبالرغم من ارتفاع حرارة الأرض وانفجار طبقة الأوزون، لم يعد يرفع الحرارة في وجوه البعض لهيب الشمس وحرقة الصحراء، وبتنا نتحسر على تلك الأيام الخوالي وما فيها من دفء وحرارة، بالرغم من ضيق الحال وبرودة الأحوال،حيث أول سؤال يوجه إليك الآن ( بلا زغرة انته من وين؟).