يتعالى المتنبي في البيت الأول على الشعراء (أنا السابق الهادي) فهو الأسبق إلى اختراع المعاني المبتكرة التي لا يسبقها إليه احد ولا يكتفي المتنبي بقدر هذا الفخر بل يؤكد في الشطر الثاني من البيت الأول أن الشعراء الآخرون يميلون إلى الانتفاع من معانيه هو. إذا يوجد اعتزاز بشخصيته في هذا القول أكثر من هذا وقد ورد للمتنبي بيت يعادل معنى هذا البيت في الفخر والعظمة بشعره عندما قال:
أجزني إذا أُنشدت شعرا فإذا ما بشعري أتاك المادحون مرددا
فدع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكي والأخر الصدى
فأصداء معانيه هي أشعار غيره أي أنهم يسرقون معانيه ويرددونها
ولا يكتفي المتنبي بالتعالي على حساده وأسبقيته لاختراع المعاني بل يؤكد في البيت الثالث عدم اهتمامه لكلام الحاسدين عليه فكلامهم هذا ليس له أصل وليس هذا فحسب بل إن قائليه أيضا ليس لهم أصل. إذا نلاحظ من خلال هذا البيت كيف تلعب النرجسية دورا هاما في رفع نفسية المتنبي عاليا وتعاليها عن غيرها من الشعراء فهي تتعالي به عليهم في أنهم يقلدون معانيه ثم ترتفع به أكثر فأكثر لدرجة أنهم عند المقارنة بين شخصيتهم وبين شخصيته سنجد أن شخصيتهم لا ترد إلى أصل معين. قصائد - عالم الأدب. وإذا انتقلنا إلى البيت سنجد كيف يبين المتنبي العداوة بينه وبين حساده فهي ليست عداوة لسبب يستحق أن يعادى عليه بل عادوه لتوفر القيم والفضائل والخصال فيه فهذه الخصائص الذي يتحلى بها المتنبي كان يجب أن تقابل بالمحبة منهم ولكن معاداتهم له كانت بسبب تفوقه عليهم ورفعة منزلته عند الأمير ولكن بعد كل هذه العدواة هل ينزل المتنبي الى منزلتهم ويعاديهم مثلما عاده ؟ كلا فهو اعلي من أن يفعلها لذلك قال (وأهدأ والأفكار في تجول) إذا بعد كل هذه المعاملة والعداوة منهم يظل المتنبي هادئا لا يعاديهم ولا يرد عليهم بالمثل حتى لا ينزل من قدره فيهبط إلى مستواهم.
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب - محمود الوراق - الديوان
ماذا يقول الشعر ، يا بلقيس.. في هذا الزمان ؟ ماذا يقول الشعر ؟ في العصر الشعوبي.. المجوسي.. الجبان والعالم العربي مسحوقٌ.. ومقموعٌ.. ومقطوع اللسان.. نحن الجريمة في تفوقها فما ( العقد الفريد) وما ( الأغاني) ؟؟ أخذوك أيتها الحبيبة من يدي.. أخذوا القصيدة من فمي.. أخذوا الكتابة.. والقراءة.. والطفولة.. والأماني بلقيس.. يا دمعاً ينقط فوق أهداب الكمان.. علمت من قتلوك أسرار الهوى لكنهم.. قبل انتهاء الشوط قد قتلوا حصاني بلقيس: أسألك السماح ، فربما كانت حياتك فديةً لحياتي.. إني لأعرف جيداً.. أن الذين تورطوا في القتل ، كان مرادهم أن يقتلوا كلماتي!!! نامي بحفظ الله.. أيتها الجميلة فالشعر بعدك مستحيلٌ.. والأنوثة مستحيلة ستظل أجيالٌ من الأطفال.. تسأل عن ضفائرك الطويلة.. وتظل أجيالٌ من العشاق تقرأ عنك.. أيتها المعلمة الأصيلة... وسيعرف الأعراب يوماً.. شعر عن نفسي وقلبي. أنهم قتلوا الرسولة.. قتلوا الرسولة.. ق.. ت.. ل.. و.. ا ال.. ر.. س.. ة
كن انت نفسك - كن كما انت
فاقتتل الفريقان وقُتل المتنبي وابنه محشد وغلامه مفلح بالنعمانية بالقرب من دير العاقول غربيّ بغداد. فكان بحق رحمه الله: ملء الدنيا وشاغل الناس. منزلته الشعرية
لأبي الطيب المتنبي مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية ، فقد كان نادرة زمانه ، وأعجوبة عصره ، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء ،يجدون فيه القوة ، والتدفق ، والشاعرية المرتكزة على الحس والتجربة الصادقة. شعر المتنبي
كان المتنبي شاعرا من شعراء المعاني وفق بين الشعر والحكمة، وجعل أكثر عنايته بالمعنى يسكبه في بيت واحد مهما اتسع ويصوغه بأبدع الصياغة التي تأخذ بالألباب. أطلق الشعر من قيوده التي قيده بها أبو تمام وخرج عن أساليب العرب المخصوصة، فهو إمام الطريقة الإبداعية في الشعر العربي. شعر جميل عن نفسي. تحليل القصيدة التي يقول فيها:
ليالي بعد الظاعنين شكولٌ ….. طوالٌ وليلُ العاشقين طويلُ
تشكل الذات محوراً فنياً لبنية التفكير في شعر المتنبي فتبدأ قصيدة الحرب المختارة له وهي مما قاله في مدح سيف الدولة الحمداني بغناء حزين.
قصائد - عالم الأدب
المتنبي
نسبه و مولده
'أبو الطيب المتنبي (303 - 354 هـ / 915 - 965م
اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي. ولد بالكوفة ونشأ بالشام. و في نسبه خلاف، إذ قيل هو نفل، و قيل هو ابن سقاء كان يسقي الماء بالكوفة، و قيل أصوله من كندة، و هم ملوك يمنيون، و دس خصومه في نسبه، و قوى الآراء المتناقضة في نسبه أنه لم يشر إلى أبيه في شعره أبداً. و الغالب أن طفولته كان تتميز بالحرمان، و بالتنقل في العراق و الشام حيث كانت الفتن تمور. من أين جاء لقب المتنبي؟
يقال أنها حادثة شهيرة في حياة المتنبي حيث ادعى النبوة في بداية شبابه، في بادية السماوة، و لئن كان قد جوز على ادعائه بالسجن بأمر من والي حمص، إلا أن حادثة تنبؤه تبدو حيلة سياسية ليس إلا، أو تدليساً من الحاكم ضد الثائر الشاب. و يرى أبو العلاء المعري في كتابه معجز أحمد أن المتنبي لُقب بهذا من النَبْوَة، و هي المكان المرتفع من الأرض، كناية عن رفعته في الشعر. لا عن إدعائه النُبُوَة. كن انت نفسك - كن كما انت. المتنبي و سيف الدولة الحمداني
و كان المتنبي قد عرف سيف الدولة من قبل، و سمع عن أفضاله الكثير، و كانا في سن متقاربة، فوفد عليه المتنبي، و عرض عليه أن يمدحه بشعره على ألا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء، فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا.
و أجازه سيف الدولة على قصائده بالجوائز الكثيرة، و قربه إليه فكان من أخلص خلصائه، و كان بينهما مودة و احترام، و تعد سيفياته أصفى شعره. غير أن المتنبي حافظ على عادته في إفراد الجزء الأكبر من قصيدته لنفسه، و تقديمه إياها على ممدوحة، فكان أن حدثت بينه و بين سيف الدولة جفوة وسعها كارهوه و كانوا كثراً في بلاط سيف الدولة. و قيل أن ابن خالويه رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة، فلم ينتصف له سيف الدولة، و طعن في هذه الرواية كثيرون لأسباب متعددة. بعد تسع سنوات في بلاط سيف الدولة جفاه الأخير، و زادت جفوته له بفضل كارهي المتنبي، و لأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، و كان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك. شعر قصير عن نفسي. انكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بالمتنبي، و غادره المتنبي إلى مصر حزيناً خائباً ليواصل النظر في أطماعه السياسية بعد أن قال في حضرته قصيدته الشهيرة:
التي مدح فيها نفسه و سيف الدولة، و اعتذر إليه، و عاتبه قبل أن يغادره إلى مصر. المتنبي و كافور الإخشيدي
الشخص الذي تلا سيف الدولة الحمداني أهمية في سيرة المتنبي هو كافور الإخشيدي، و كان مبعث ذهاب المتنبي إليه على كرهه له لأنه عبد طمعه في ولاية يوليها إياه.
فأغلب الأمراض لها دواء إلا القليل منها وهذا ما أكده في البيت الرابع حيث انه أكد بان حاسديه لن يجدوا داء لمرضهم هذا فالمتنبي ظل اعلي منهم مكانة فبالتالي لن ينتهوا من حسدهم له فكلما وقع الحسد في قلبهم لا ينصرف عنهم حتى يكيدوا له. لقد خبر المتنبي الناس كافة وامتلأت جعبته بالخبرة فيظهر في البيت الخامس بالحكيم الذي يقدم خبرته للناس وهذه الحكمة تتحدث عن الحاسدين فهو بذلك يريد تنبيه الناس من الحاسدين لأنه جرب معاملتهم وعانى كثيرا منهم فيحذر الناس من تقبل المودة من الحاسدين حتى لو كان الناس حريصون على تقديم المودة للحاسدين, فالحاسد تبدل له الحب وتبدل له المودة ولكنه لا يبدك ذلك الشعور. ويتصدر البيت السادس بقوله (وإنا لنلقي) حيث ضمير الجمع في (إنا) وفي (نلقي) ومن المعروف أن تحدث الشخص بضمير الجمع تأكيدا على علو المنزلة وجنون العظمة بالنفس فالملوك والأمراء يتحدثون بضمير الجمع هذا والمتنبي لا يرى نفسه اقل شئنا منهم. سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب - محمود الوراق - الديوان. فيقول في هذا البيت أن المصائب التي واجهها والتي يعرفها هي مجهولة عند حاسديه ولا يعرفون لها سبيل وان دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على قوة صبر وجلد المتنبي وتحمله للمصائب أما حاسديه فهم قليلو الخبرة لم يغامروا مثله ولم يتعرضوا للأهوال مثله وبالتالي فان إصابتهم مصيبة ذهبت ريحهم لقلة جلدهم فشتان بينه
وبينهم.