سادسا: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان، كقوله: الله إني آمنت بك وبرسولك، فاغفر لي ، أو يقول: اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا. سابعا: التوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح، كمن يتوسل إلى الله تعالى بما فعل من الخير، كبر والديه، وصلة أرحامه، وعونه للضعفاء والمساكين وما شاكل ذلك. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة المائدة - الآية 35. أنواع التوسل المختلف فيها:
وقع الاختلاف بين السلفيين وبين غيرهم في جملة التوسل
الأول: التوسل بجاه النبي أو بغيره من الأموات أو بذواتهم، وذلك أن جاه الرسول أو غيره ليس مفيدا بالنسبة إلى الداعي. الثاني: التوسل بدعاء الميت أو الغائب، يطلب من الميت أن يدعو الله له. وهذان الأمران، هما اللذان وقع النزاع فيهما بين السلفيين وغيرهم. هل التوسل بذات الميت شرك؟
ذكر السلفيون أن التوسل بالميت أو بالغائب أو بذات النبي وغيره شرك، واستدلوا على ذلك بأن ذلك دعاء لغير الله سبحانه، ومن دعا غير الله فقد أشرك، والله تعالى يقول: ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون:117). وهذا كلام مردود بعدة أمور:
1- أن الدعاء له معانٍ متعددة، ذكرها علماء اللغة:
أحدها: العبادة، كما في قوله تعالى: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف: 28) ،أي يعبدون ربَّهم.
- القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة المائدة - الآية 35
- ما هي أدلّة التوسّل بالأنبياء والأئمّة والصالحين ؟
- أقوال المفسرين في الوسيلة
- القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة المائدة - الآية 35
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة المائدة - الآية 35
5- أن المتوسل بالأنبياء أو الأولياء عليهم السلام يعتقد أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون، وأن توسله بهم يبلغهم بأي نحو كان، وأنهم يشفعون له عند ربِّهم في قضاء حاجاته، ويدْعون الله سبحانه وتعالى له، وأن الله تبارك وتعالى يشفِّعهم في تلك الحاجات، بغض النظر عن كون هذا الاعتقاد صحيحاً أو غير صحيح. وكثيراً ما يكون هذا المتوسل قد دعا الله تعالى فلم يُستجب دعاؤه، وألحَّ عليه في الطلب فلم تُقضَ حاجته، ولذلك لجأ إلى هذه الوسائط، لاعتقاده أنهم إذا طلبوا حاجاته من الله تعالى قُضيتْ؛ لأنهم أقرب إلى الله تعالى منه، وأن الله سبحانه يشفِّعهم، ويستجيب دعاءهم فيما طلبوا الشفاعة فيه. وابتغوا إليه الوسيلة أهل البيت. أو لأن هذا المتوسل يعتقد أن الله تعالى وهب الأنبياء والأولياء قدرة ذاتية خاصَّة تمكِّنهم من قضاء الحاجات التي لا يقدر عليها غيرهم من البشر في حياتهم وبعد موتهم، كما أعطى عيسى بن مريم القدرة على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فلا وجه حينئذ لتوهّم أن هذا المتوسل قد أشرك مع الله إلهاً آخر قادراً على النفع والضر. 6- أن المتوسل بالحي الحاضر ربما يغفل عن الفاعل الحقيقي، وهو الله سبحانه، فيتصوَّر أن فاعل الشفاء هو الحي المتوسل به، بخلاف من توسل بميت أو بحي غائب، فإنه ينسب الفعل لا محالة إلى الله تعالى، فيكون المتوسل بالميت أقرب إلى التوحيد ممن توسل بالحي الحاضر.
ما هي أدلّة التوسّل بالأنبياء والأئمّة والصالحين ؟
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) هذا أمر من الله لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه، وذلك بأن يجتهد العبد، ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله، من معاصي القلب واللسان والجوارح، الظاهرة والباطنة. ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة المائدة - الآية 35. { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي: القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية: كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي [بها] ويستجيب الله له الدعاء. ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه، الجهاد في سبيله، وهو: بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال، والنفس، والرأي، واللسان، والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد، لأن هذا النوع من أجل الطاعات وأفضل القربات.
أقوال المفسرين في الوسيلة
لقد قضت مشيئة الله أن خلق الناس برحمته متشابهين لا متطابقين، فقد خلقهم من نفس واحدة؛ ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [الأعراف: 189]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1]. ما هي أدلّة التوسّل بالأنبياء والأئمّة والصالحين ؟. فهناك خصائص مشتركة بين بني البشر يتميز بها الإنسان عن باقي المخلوقات، وفي الوقت نفسه جعل الله البشر مختلفين في الخصائص الإنسانية، فهم درجات متفاوتة في كل خاصية من خصائص الإنسان. ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. لقد قضتْ سُنَّة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يكونوا مختلفين، وهذه السنة الإلهية العظيمة كانت منذ بداية الخلق، ففي الحديث: عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: « إِنَّ اللَّهَ تعالى خلقَ آدمَ مِن قَبضةٍ قَبضَها مِن جَميعِ الأَرضِ، فجاءَ بنُو آدمَ على قَدْرِ الأَرضِ، فجاءَ منهُم الأَحمَرُ والأَبيَضُ والأَسوَدُ وبَينَ ذلكَ، والسَّهلُ والحَزْنُ والخَبِيثُ والطَّـيِّبُ »؛ (الترمذي).
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة المائدة - الآية 35
وفي صحيح مسلمٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتمُ المؤذِّن فقولوا مثلَ ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا لي الوسيلة؛ فإنها منزلةٌ في الجنة، لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت عليه الشفاعة)) [3]. ﴿ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35]؛ لَمَّا أمرهم بترك المحارم وفِعل الطاعات، أمرَهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين، الخارجين عن الطريق المستقيم، والتاركين للدين القويم، ورغَّبهم في ذلك بالذي أعدَّه للمجاهدين في سبيله يوم القيامةِ من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرَّة، التي لا تَبيد ولا تَحول ولا تَزول، في الغرف العالية الرفيعة، الآمنة الحسَنةِ مناظرُها، الطيبةِ مَساكنُها، التي من سَكَنَهَا ينعَم لا يَبأس، ويحيا لا يموت، لا تبلى ثيابُه، ولا يفنى شبابُه [4].
8- أن جملة من علماء أهل السنة توسلوا برسول الله في قضاء حاجاتهم فقضيت لهم، ولو كان التوسل بالنبي شركاً لما قضيت لهم به حاجة. منهم: القسطلاني:
قال: وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته في البرزخ فهو أكثر من أن يحصى أو يدرك باستقصاء…
إلى أن قال: ولقد كان حصل لي داء أعيا دواؤه الأطباء، وأقمت به سنين، فاستغثت به صلى الله عليه وسلم ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة بمكة زادها الله شرفاً، ومنَّ عليَّ بالعود في عافية بلا محنة، فبينا أنا نائم إذ جاء رجل معه قرطاس يكتب فيه: هذا دواء لداء أحمد بن القسطلاني من الحضرة الشريفة بعد الإذن الشريف النبوي، ثم استيقظت فلم أجد بي والله شيئاً مما كنت أجده، وحصل الشفاء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم. (المواهب اللدنية 3/418). ——————
سماحة الشيخ علي آل محسن
وفي الصواعق المحرقه قال: اخرج الديلمي ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: « الدعاء محجوب حتّى يصلّي على محمّد وأهل بيته ». اللهم صل على محمّد وآله.