فالأخوة في الله عقدٌ وثيق باطنا وظاهرا، وعلاقة حقيقية نبيلة تزيد على علاقة الدم والنسب وتفضلها، ينتج عنها ابتداء حرص وإيثار ونصرة وإحساس كبير وشعور عميق، وانتهاء ببذل المال والوقت، بعيدا عن أي مصلحة شخصية أو منفعة مادية أو مكسب دنيوي. والأخوة في الله مفهوم شامل لكل معاني الرقي والسمو وحسن الخلق، بعيدا عن الطبقية والفوقية والانتهازية والوصولية والأنانية، بل هي مسؤولية مشتركة وتضحية حقيقية وممارسة عملية وحياة تطبيقية وسلوكيات يومية، ليست مجرد شعارات أو دعوات فارغة وعبارات منمّقة! الأخوَّة في الله بين الأمل المنشود والواقع الأليم - الإسلام سؤال وجواب. المفهوم الحقيقي للأخوة لا يتحقق إلا إذا قُيِّد وأضيف إلى لفظ الأخوة " في الله"، وهذا يستوجب ويقتضي المحبة والصلة والرابط هو الله، وهو شرط مهم وركن عظيم وأصل كبير، وقد لخص ذلك كله الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه لأبي إدريس الخولاني رحمه الله. عن أبي إدريس الخولاني – رحمه الله – قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا وإذا الناس معه، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هو معاذ بن جبل- رضي الله عنه - فلما كان من الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك.
الأخوة في الله
[14] والتوصيف المختصر البليغ للأخوة في الله كما قيل: - أفضل الذخائر أخ وفي. - صديق مساعد: عضد وساعد. - الصديق إنسان هو أنت، إلا أنه غيرك! - رُب صديق أودُّ من شقيق. - وقيل: خير الإخوان من أقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك. الأخوة في الله نور الجباه وكنز الحياة. - وقال آخر: من لم يكن في الله خلته فخليله منه على خطر. أَخُوكَ الَّذِي يَحْمِيكَ فِي الغَيْبِ جَاهِدًا *** وَيَسْتُرُ مَا تَأْتِي مِنَ السُّوءِ وَالقُبْحِ وَيَنْشُرُ مَا يُرْضِيكَ فِي النَّاسِ مُعْلِنًا *** وَيُغْضِي وَلا يَأْلُو مِنَ البِرِّ وَالنُّصْحِ لكن المتأمل في الواقع والناظر لأحوال الناس يجد العجب العجاب، من القطيعة والأنانية وحب الذات والمنفعة الشخصية، حتى لو كانت على حساب أخوَّته في الدين، والأفضل حالا من تجده يحاول تحقيق أعشار مفهوم الأخوة في الظاهر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أصبحت الأخوة كلمات دون محتوى، وعلاقات منزوعة الدسم! وشعارات جوفاء وادعاءات نظرية، تتجاذبها المصالح المؤقتة والمنافع الزائلة والنظرة المادية المحضة، والجاه والمنصب والمكانة الاجتماعية! قال ابن الجوزي: وجمهور الناس اليوم معارف، ويندر فيهم صديق في الظاهر؛ فأما الأخوة والمصافاة، فذاك شيء نسخ، فلا يطمع فيه، وما أرى الإنسان تصفو له أخوة من النسب ولا ولده ولا زوجته، فدع الطمع في الصفا، وخذ عن الكل جانبًا، وعاملهم معاملة الغرباء!
الأخوة في ه
2- التعاون: التعاون مظهر كريم من مظاهر الإخاء الإسلامي، أمر به الله تعالى فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2)، وصوّره الرسول (ص) بأروع معنى عرفه بني الإنسان فقال: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً". ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثاً جماعياً قام على التعاون والإيثار كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم، والبذل السّخي، والتسابق إلى الإيواء، حتى إنّه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة، لأن عدد الراغبين في الإيواء أكثر من عدد المهاجرين.. ولم تكتحل عين الزمان بأروع من أمثلة الإخاء والإيثار والتعاون التي وقعت هذه المرة في المدينة. وإن من تمام التعاون بين الإخوة، أن يخلص الأخ النصح لأخيه، ويصدقه ولا يغشه، وأن يترفق بتوجيهه إلى ما يلحظ عليه من عيوب.. الأخوة في ه. ويكون التعاون أيضاً في دفع الأذى عن أخيك ما أمكن، والمبادرة لتقديم العون إليه طالما كان في حاجة إليه.. فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن مظاهر التعاون أيضاً أن ينصر الإنسان أخاه، فإذا وقع به ظلم وقف بجانبه دافع عنه، وإن كان الظلم منه، ردّه عن ظلمه.
الاخوه في الله معا Mp3
معاتبة الأخ خير من فقده. من لي بأخ إذا أغضبته وجهلت كان الحلم رد جوابه، وإذا صبوت إلى المدام شربت من أخلاقه وسكرت من آدابه وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه. فإذا ظفرت بذي الوفاء فحُـط رحلـكَ فـي رحابـه فأخوك من إن غاب عنك رعى ودادك فـي غيابـه وإذا أصابك ما يـسوءُ رأى مصابكَ من مصابه ونراه يتوجع إن شكوتَ كأن ما بك بعض ما به.
سألتُ الناسَ عن خلٍ وفيٍ فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسكْ إن ظفِرت بذيل حُر فإن الحرَّ في الدنيا قليل
ولا يعني هذا أن تيأس من أن تجد أخاً صادقاً صدوقاً ، حبيباً محبّاً ، لكننا نتكلم
عن واقع مرير ، وأخوَّة اعتراها نقص شديد ، وليست الشكوى من قلة الإخوان فقط في هذا
الزمان ، بل هي كذلك في القرون الأولى ، فعليك أن تعيش مع هذا ، وأن تعلم أن الناس
لا يخلون من عيوب ، وكما قيل " من طلب أخاً بلا عيب: بقي بلا أخ "! وَمَن لا يُغَمِّض عَينَه عَن صَديقِهِ وَعَن بَعضِ ما فيهِ يَمُت وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّع جاهِداً كُلَّ عَثرَةٍ يَجِدها وَلا يَسلَم له الَّهرَ صَاحِبُ
فاحرص أن تكون أنت الأنموذج الجميل للإخوَّة الصادقة ، في دينك ، وخلقك ، واعلم أنك
ستجد - إن شاء الله - من يكون أخاً لك على مثل ما أنت عليه. شرح ألفية ابن مالك لعبد الواحد أشرقي ومصعب بنات- الدرس السادس - ويكي الكتب. واعلم أنه إذا كانت الأخوَّة في الله الحقيقية قليلة في هذا الزمان: فإن الباحث
عنها أقل من القليل. واستمع لشكوى من إمام في العلم مثل شكواك ، وانظر كيف عالجها ، في كلام يشبه ما
ذكرناه آنفاً من واقع الحال ، مع التنبيه أن هذا الإمام كان يعيش في القرن السادس!. قال ابن الجوزي – رحمه الله -:
كان لنا أصدقاء ، وإخوان ، أعتد بهم ، فرأيت منهم من الجفاء ، وترك شروط الصداقة ،
والأخوَّة: عجائب ، فأخذت أعتب.
ثم انتبهت لنفسي ، فقلت: وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا: فللعتاب ، لا للصفاء. فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرتُ فرأيت الناس بي معارف ، وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة
مباطنين ، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم. إنما ينبغي أن تنقلهم من " ديوان الأخوة " إلى " ديوان الصداقة الظاهرة ". فإن لم يصلحوا لها: نقلتَهم إلى " جملة المعارف " ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن
الغلط أن تعاتبهم. فقد قال يحيى بن معاذ: بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له اذكرني في دعائك. وجمهور الناس اليوم معارف ، ويندر فيهم صديق في الظاهر ، فأما الأخوَّة والمصافاة:
فذاك شيء نُسخ ، فلا يُطمع فيه. وما رأى الإنسان تصفو له أخوَّة من النسب ، ولا ولده ، ولا زوجته. فدع الطمع في الصفا ، وخذ عن الكل جانباً ، وعاملهم معاملة الغرباء. الأخوة في الله. وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ؛ فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ،
وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك. وقد قال الفضيل بن عياض: إذا أردت أن تصادق صديقاً: فأغضبه ، فإن رأيته كما ينبغي: فصادقه. وهذا اليوم مخاطرة ؛ لأنك إذا أغضبت أحداً: صار عدواً في الحال. والسبب في نسخ حكم الصفا: أن السلف كان همتهم الآخرة وحدها ، فصفت نياتهم في
الأخوة ، والمخالطة ، فكانت دِيناً لا دنيا.