وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) وقوله: ( وهدوا إلى الطيب من القول) كقوله ( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) [ إبراهيم: 23] ، وقوله: ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) [ الرعد: 23 ، 24] ، وقوله: ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما) [ الواقعة: 25 ، 26] ، فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب ، ( ويلقون فيها تحية وسلاما) [ الفرقان: 75] ، لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يروعون به ويقرعون به ، يقال لهم: ( وذوقوا عذاب الحريق) وقوله: ( وهدوا إلى صراط الحميد) أي: إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم ، على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم ، كما جاء في الصحيح: " إنهم يلهمون التسبيح والتحميد ، كما يلهمون النفس ". وقد قال بعض المفسرين في قوله: ( وهدوا إلى الطيب من القول) أي: القرآن. وقيل: لا إله إلا الله. وقيل: الأذكار المشروعة ، ( وهدوا إلى صراط الحميد) أي: الطريق المستقيم في الدنيا. وهدوا إلى الطيب من القول. وكل هذا لا ينافي ما ذكرناه ، والله أعلم.
- وهدوا إلى الطيب من القول
وهدوا إلى الطيب من القول
وهُدوا إلى الطيِّب من القول
إنها الكلمة الطيبة تؤلِّف القلوب وتَسُرُّ النفوس، وتُذهب الأحزان وتُبهج الأسماع، وتَهدي الضال، وتعلِّم الجاهل، وتُرشد التائه، وتذكِّر الغافل، وتُنفس الكرب، وتُروِّح عن النفس، وتُطمْئِنُ القلب، وتقرِّب البعيد، وتُيسِّر العسير، وتذلِّل الصَّعب، وتُهيئ الأسباب، وتَفتح المغاليق. إنها مَحضُ هداية وتوفيق من الله عز وجل لمن أحبَّ مِن عباده؛ ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ [الحج: 24]. إنها ثُلَّةٌ مؤمنة علَّمها الله كيف توظِّف كلماتها، وتنتقي عباراتها؛ قد بنوا حياتهم بوحي من هداها، وتنسَّمت أرواحُهم عبيرَ شذاها تربيةً نابعة مِن مِشكاة الإسلام، تتواءَم مع تعاليم الدين الحق، وتسمو بسُمو رُوحِه! فحين تأمُر بمعروف تنتقى أطايبَ الكلام، وحين تنهى عن منكر، تبتعد عن الفُحش والخَنا، وحين تدعو إلى الله، فبالحكمة والموعظة الحسنة، وحين تجادل فبالتي هي أحسن، وحين تحاط الكلمة بسياج العقل، وتُحَدُّ بإطار الشرع، تفعَل فِعلَ السحر: ((وإن من البيان لسحرًا))، فتهز القلوب وتلامس المشاعر، وتَنفُذ إلى العقل والوِجدان. وما عُلِمَ طريقٌ لتحصيل الحسنات ودخول الجنات، ونَيل أعلى الدرجات - أسهلُ من الكلمة، فوالله إنها ليستْ يسيرة إلا على أحد يسَّر الله عليه.
ومعنى التسوية هو التسوية في تعظيم الكعبة في فضل الصلاة في المسجد الحرام والطواف بالبيت [ ص: 377]
وقال آخرون المراد منه جميع الحرم ومعنى التسوية أن المقيم والبادي سواء في النزول به ليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر غير أنه لا يزعج فيه أحدا إذا كان قد سبق إلى منزل وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد ، قالوا هما سواء في البيوت والمنازل. وقال عبد الرحمن بن سابط: كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحق بمنزله منهم وكان عمر بن الخطاب ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم وعلى هذا القول لا يجوز بيع دور مكة وإجارتها ، وعلى القول الأول وهو الأقرب إلى الصواب يجوز لأن الله تعالى قال ( الذين أخرجوا من ديارهم) ( الحج 40) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " فنسب الدار إليه نسب ملك واشترى عمر دارا للسجن بمكة بأربعة آلاف درهم فدل على جواز بيعها وهذا قول طاوس وعمرو بن دينار ، وبه قال الشافعي.