ويقال في قوله: { انظر إلى الجبل} بلاء شديد لموسى لأنه نفي عن رؤية مقصوده ومني برؤية الجبل ، ولو أذن أن يغمض جفنه فلا ينظر إلى شيء بعدما بقي عن مراده من رؤيته لكان الأمر أسهل عليه ، ولكنه قال له: { لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل}. ثم أشد من ذلك أنه أعطى الجبل التجلي؛ فالجبل رآه وموسى لم يره ، ثم أمر موسى بالنظر إلى الجبل الذي قدم عليه في هذا السؤال ، وهذا - والله - لصعب شديد!! ولكن موسى لم ينازع ، ولم يقل أنا أريد النظر إليك فإذا لم أرك لا أنظر إلى غيرك بل قال: لا أرفع بصري عما أمرتني بأن أنظر إليه ، وفي معناه أنشدوا: أريد وصاله ويريد هجري... فأترك ما أريد لما يريد ويقال بل الحق سبحانه أراد بقوله: { ولكن انظر إلى الجبل} تداركه قلب موسى - عليه السلام - حيث لم يترك على صريح الرد بل علله برفق كما قيل: فذريني أفني قليلا قليلا... وَلَمّا جاءَ موسى لِميقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ... - YouTube. ويقال لما رد موسى إلى حال الصحو وأفاق رجع إلى رأس الأمر فقال: { تبت إليك} يعني إن لم تكن الرؤية هي غاية المرتبة فلا أقل من التوبة ، فقبله - تعالى - لسمو همته إلى الرتبة العلية. قوله جل ذكره: { تبت إليك}. هذه إناخة بعقوة العبودية ، وشرط الإنصاف ألا تبرح محل الخدمة وإن حيل بينك وبين وجود القربة؛ لأن القربة حظ نفسك ، والخدمة حق ربك وهي تتم بألا تكون بحظ نفسك.
- وَلَمّا جاءَ موسى لِميقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ... - YouTube
- المحتوى القرآني - بسم الله الرحمن الرحيم خر موسى صعقاً قال...
- إسلام ويب - تفسير الكشاف - سورة الأعراف - تفسير قوله تعالى ولما جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك- الجزء رقم2
وَلَمّا جاءَ موسى لِميقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ... - Youtube
وما أنت يا حميد ؟! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فتقول أنت: ما تريد إليه ؟! وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، عن معاذ بن معاذ به. إسلام ويب - تفسير الكشاف - سورة الأعراف - تفسير قوله تعالى ولما جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك- الجزء رقم2. وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن سلمة به ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حماد. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق ، عن حماد بن سلمة ، به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال ، عن محمد بن علي بن سويد ، عن أبي القاسم البغوي ، عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ، فذكره وقال: هذا إسناد صحيح لا علة فيه. وقد رواه داود بن المحبر ، عن شعبة ، عن ثابت ، عن أنس مرفوعا وهذا ليس بشيء ، لأن داود بن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر بنحوه وأسنده ابن مردويه من طريقين ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس مرفوعا بنحوه ، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيلماني ، عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا ، ولا يصح أيضا. وقال السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى: ( فلما تجلى ربه للجبل) قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ( جعله دكا) قال: ترابا ( وخر موسى صعقا) قال: مغشيا عليه.
المحتوى القرآني - بسم الله الرحمن الرحيم خر موسى صعقاً قال...
ويقال جمع موسى - عليه السلام - كلماتٍ كثيرةً يتكلم بها في تلك الحالة؛ فإن في القصص أنه كان يتحمل في أيام الوعد كلمات الحق، ويقول لمعارفه: ألكم حاجة إلى الله؟ ألكم كلام معه؟ فإني أريد أن أمضي إلى مناجاته. ثم إنه لما جاء وسمع الخطاب لم يذكر - مما دبَّره في نفسه، وتحمله من قومه، وجمعه في قلبه - شيئاً لا حرفاً، بل نطق بما صار في الوقت غالباً على قلبه، فقال: { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ} وفي معناه أنشدوا:
فيا ليلَ كم من حاجةٍ لي مهمة
إذا جئتُكم ليلى فلم أدرِ ماهِيَا
ويقال أشدُّ الخَلْقِ شوقاً إلى الحبيب أقربُهم من الحبيب؛ هذا موسى عليه السلام، وكان عريق الوصلة، واقفاً في محل المناجاة، محدقة به سجوفُ التولي، غالبة عليه بوادِهُ الوجود، ثم في عين ذلك كان يقول: { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ} كأنه غائبٌ عن الحقيقة. ولكن ما ازداد القومُ شَرْباً إلا ازدادوا عطشاً، ولا ازدادوا تيماً إلا ازدادوا شوقاً، لأنه لا سبيل إلى الوصلة إلا بالكمال، والحقُّ - سبحانه - يصونُ أسرار أصفيائه عن مداخلة الملال.
إسلام ويب - تفسير الكشاف - سورة الأعراف - تفسير قوله تعالى ولما جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك- الجزء رقم2
وقيل: إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103]. وقد تقدم ذلك في الأنعام وفي الكتب المتقدمة: إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: (يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده) ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾ [الأعراف: 143]. " (1)
______________________
(1) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 82، تحقيق: أ. د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
ويقال لما سمت همته إلى أسنى المطالب - وهي الرؤية - قوبل « بلن ، ولما رجع إلى الخلق وقال للخضر { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} [ الكهف: 66] ، قال الخضر: { إنك لن تستطيع معى صبرا} [ الكهف: 67] فقابله بلن ، فصار الرد موقوفا على موسى - عليه السلام من الحق ومن الخلق ، ليكون موسى بلا موسى ، ويكون موسى صافيا عن كل نصيب لموسى من موسى ، وفي قريب منه أنشدوا: (...... ) نحن أهل منازل... أبدا غراب البين فينا ينعق ويقال طلب موسى الرؤية وهو بوصف التفرقة فقال: { رب أرنى أنظر إليك} فأجيب بلن لأن عين الجمع أتم من عين الفرق. فزع موسى حتى خر صعقا ، والجبل صار دكا. ثم الروح بعد وقوع الصعقة على القالب مكاشفته بما هو حقائق الأحدية ، ويكون الحق - بعد امتحاء معالم موسى - خيرا لموسى من بقاء موسى لموسى ، فعلى الحقيقة: شهود الحقائق بالحق أتم من بقاء الخلق بالخلق ، كذا قال قائلهم: ولوجهها من وجهها قمر... ولعينها من عينها كحل ويقال البلاء الذي ورد على موسى بقوله: { فإن استقر مكانه فسوف ترانى} { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} أتم وأعظم منه قوله: { لن ترانى} لأن ذلك صريح في الرد ، وفي اليأس راحة. لكنه لما قال فسوف أطمعه فيما منعه فلما اشتد موقفه جعل الجبل دكا ، وكان قادرا على إمساك الجبل ، لكنه قهر الأحباب الذي به جرت سنتهم.