بل الافتقاد إلى الرحمة (وحق الميت المسلم). أين هذا من قول رسول الله عن ابن عباس: (كنتُ خلف النبي صلَى اللَّهُ علَيه وسلَّم يوما فقَالَ: يا غلام إني أعلمكَ كلمات: احفظْ اللَّه يحفظك... واعلمْ أنّ الأمةَ لو اجتمعت عَلَى أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، وإن اجتمعوا عَلَى أن يضروكَ بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك.. )، ثم ألا يعدّ فعله هذا من باب الجهر بالسوء (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ). قال ابن عباسٍ: " لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه "! ولا يقولنّ عاقل إن غازي القصيبي رحمه الله - خلال عمله - كان ظالماً لأحدٍ من هؤلاء حدّ أن يدعو عليه بالسرطان، بقدر ما كان يؤدي عملاً في إطار وظيفته. وإنه إن كانت لذلك الشخص تلك القدرة، فلمَ لا يدعو على إسرائيل وإيران وبشار ليخلص الأمة من شرورهم، وسيكون له أجر الدعاء؟! جريدة الرياض | الواسطة والقانون والفساد الإداري. إنّ الدعاء لطلب العون من الله للوصول إلى أهداف مشروعة أقرّته الشرائع الإلهية للاِنسان، والدعاء في هذه الصورة حاجة طبيعية لا يبخل بها الله على عبده متى كان مراعياً للآداب، ولذا قيل يجب تجنب الاعتداء في الدعاء امتثالا لقوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
- جريدة الرياض | الواسطة والقانون والفساد الإداري
جريدة الرياض | الواسطة والقانون والفساد الإداري
والتأكيد على عدم التمييز في التعامل وعدم النظر إلى المركز الوظيفي أو الاجتماعي للشخص، وإقرار مبدأ الشفافية وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة. ومن أجل تطبيق ما جاء في الاستراتيجية فقد تم النص على إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد تتولى متابعة تنفيذ الاستراتجية وتقييمها. وهذه الاستراتيجية بما اشتملت عليه من أهداف ووسائل وآليات وإنشاء الهيئة الوطنية لا شك أنه يعد نقلة نوعية في مسيرة القضاء على الفساد الإداري بأنواعه (ومنها الواسطة بالطبع) وبما ينسجم مع توجهات القيادة وتطلعات الشعب في كل ما من شأنه تحقيق مصالح الوطن والمواطن. إلا أن هذا التفاؤل يشوبه الحذر من أن الاستراتيجية والهيئة سيكونان قادرين على إنجاز مهامها فالخشية أن تدخل الواسطة والمحسوبية في عملها أو أن يعتري عملها غموض أو قصور والذي يعني إعادة الأمور إلى المربع رقم واحد وكأن شيئاً لم يحدث، ومصدر هذه الخشية أن الكثير من الأنظمة النافذة حالياً شاملة وواضحة وتفي بالغرض المتمثل في القضاء على الواسطة وكافة مظاهر الفساد إلا أن الفشل غالباً ما يكون نصيب الجانب التطبيقي فيها. وبعد، فالواسطة المتفشية في المجتمع داء عضال والدواء موجود ولكن هل يستجيب المريض له أم أن مدة العلاج قد تطول وتطول، وتظل الواسطة الظاهرة التي تستعصي على الحل.
لهذا كله فأعظم ما يقوم به المؤمن هو الوصول إلى الدين الصحيح الذي لا يعرف السكون ولا الجمود، بل يفرض عليه أن يشارك مشاركة كاملة ومنتجة في تطوير مجتمعه، بإيمان أكثر عمقًا، وفكر أكثر صفاء، وعمل أغزر إنتاجًا، لتسوده العدالة، وتشع فيه المحبة، بعيدًا عن مشاعر الاستحواذ والإنانية، والرغبة في السيطرة على جميع مكوناته تحقيقًا لرؤى وأجندات خاصة، بلا مراعاة للوطن وحقوق المواطنين! بهذا يتكوّن المجتمع السليم الذي لا مكان فيه لاستقواء فئة على فئة مهما علا صوتها، أو قررت حبس المجتمع كله داخل نصّ لا يتناغم مع نبذ الدين للتطرف، فلقد خُلق النصّ من أجل الإنسان، ولم يخلق الإنسان من أجل النصّ، كما أنّ حبس الإنسان في نصّ، مضاد لروح الإسلام الذي يمثل النموذج الأرقى في الحركة والتجديد (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) و(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).