جاء في الخبر عن رسول الله صلوات الله عليه وآله (أنا ابن الذبيحين) إشارة إلى جدّه إسماعيل وأبيه عبد الله بن عبد المطلب عليهما السلام. وقد اختلف المسلمون واليهود في المراد بالذبيح الذي قال يا أبتِ
افعل ما تؤمر, هل هو إسماعيل جدّ رسول الإسلام محمّد بن عبد الله صلوات الله عليه وآله؟ أم هو إسحاق أبو يعقوب جدّ نبيّ الله موسى الذي أرسل لبني اسرائيل؟ وليس هذا اختلافا على مسألة جانبيّة وأمر ثانويّ، بل هو اختلاف على فضيلة وكرامة وقيمة رفيعة جداً، تنطوي عليها طبيعة الأمّة التي تنتسب إلى هذا الذبيح. ولتوضيح أهمّيّة هذا الدور الرساليّ العظيم نشير إلى بعض أبعاد مسألة الذبح، والمبدأ الرفيع لهذا الموقف الذي ينبغي للأمّة أن تتّخذه منطلقا لتحرّكها وتحديد هويّتها. أوّلا:
ما جاء في القرآن في سورة الصفّ بعد الحديث عن قصّة الذبح ﴿ وَبَشَّرنَاهُ بِإِسحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (1) وهو قرينة أنّ إسحاق ولد بعد الابتلاء بمسألة الذبح. ثانيا:
حين بشّر الله نبيه إبراهيم بإسحاق قال: ﴿ فبشَّرناها بإسحاقَ ومن وراء إسحاقَ يعقُوبَ ﴾ (2) مّا يؤكّد أنّ إسحاق سيتزوّج وينجب ابنا يكون نبيّا. ومع هذه البشارة الإلهيّة القطعيّة يكون معنى الرؤيا التي رآها إبراهيم أنّه يذبح ابنه خاصّة بإسماعيل.
ياابت افعل ما تؤمر ستجدني
مع أنّ ذبح الأب ابنه قضية تعدّ عرفاً ممّا يجرّ التهمة من قبل عامّة الناس على إبراهيم ورسالته، وممّا يمكن أن يثير التساؤلات حتّى من المقرّبين ممّن آمن بإبراهيم عليه السلام. ومع ذلك لم يدر في خلد إسماعيل أيّ شيء من هذه الافتراضات، بل قال: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾. 2. هذه المقولة تؤكّد أنّ الإيمان الذي يعيشه نبيّ الله إسماعيل برسالة أبيه إبراهيم هو إيمان فعليّ له آثار واقعيّة، وهو أمر يقتضي التضحية بأغلى ما يملك إسماعيل وهو نفسه التي بين جنبيه. وإيمان إسماعيل ليس شعاراً، بل تجاوز حدّ الشعار والمقولات الإعلانيّة إلى الفعل الخارجيّ، والحقّ، أيّ قيمة لإيمان شعاراتي في زمن مقارعة الأصنام والشرك وتأسيس التوحيد؟! 3. لم ينسب إسماعيل (المأموم) لنفسه فضيلة رضاه بقضاء الله وموقفه الشجاع أمام النفس وانتصاره على الأهواء. ولم يقل: (افعل بي ما تؤمر) بل (افعل ما تؤمر) وهو بهذا قد محى أثر نفسه تماما ًوتناساها، وكأنّه يقول: إذا كان هناك شجاعة في الموقف أو انتصار على الذات أو غلبة على الهوى أو أيّ أثر معنويّ أو اجتماعيّ أو عاقبة حسنة في هذا الفعل فهو لفعلك يا أبتِ، لك أنت أيّها الإمام، وليس المأموم إلا أداة لظهور خصال الإمام وشمائله وقيمه ومبادئه.
افعل ما تؤمر ستجدني
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) يقول تعالى آمرا رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به ، وهو مواجهة المشركين به ، كما قال ابن عباس: ( فاصدع بما تؤمر) أي: أمضه. وفي رواية: افعل ما تؤمر. وقال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا ، حتى نزلت: ( فاصدع بما تؤمر) فخرج هو وأصحابه وقوله: ( وأعرض عن المشركين)
افعل ما تؤمر صور
{ { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}} أي: منهم الصالح والطالح، والعادل والظالم الذي تبين ظلمه، بكفره وشركه، ولعل هذا من باب دفع الإيهام، فإنه لما قال: { { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إسحاق}} اقتضى ذلك البركة في ذريتهما، وأن من تمام البركة، أن تكون الذرية كلهم محسنين، فأخبر اللّه تعالى أن منهم محسنا وظالما، واللّه أعلم. #أبو_الهيثم #مع_القرآن
5
1
96, 796
تفسير ابن كثير 4/15 والله أعلم.