ولا يعني هذا المبدأ تجاوز الحلال والحرام، أو الإخلال بالمفاهيم الإسلامية والآداب العامة، ولا يعني إقرار هذا المبدأ تحكيم الأهواء والرغبات، وتحقيق المصالح الشخصية من وراء ذلك، بل إن اليسر والسماحة يجب أن يكونا مبنيَّيْن على مصادر التشريع الأصلية، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع. فاليُسر لا يعني الانفلات من قيود الشرع والتعدي على حدود الله، والتفريط فيها، فحجة كثير ممَّن فرَّط في تعاليم الإسلام أن الدين يسرٌ، إن ذلك المفرط لم يفهَم معنى اليسر؛ فالالتزام بتعاليم الإسلام ليس تشددًا، بل هو اليُسر بعينه. إن إعفاء الرجل للِحْيته، أو المواظبة على السنن الرواتب والنوافل، وعدمَ قبول الرشوة، أو إعطاءَها للغير - مهما سموها بغير مسمَّياتها - والحرص على مواعيد العمل الرسمية، أو ارتداء المرأة للحجاب الشرعي، وتغطية وجهها اقتداءً بأمهات المؤمنين، أو القيام بأي أمرٍ جاء في شريعة الله على الوجه الذي أمر به الله ورسوله، فهذا التزامٌ بشرع الله، لا تشدُّد. جريدة البلاد | الرطب ومرض السكر... لا إفراط ولا تفريط. وإذا كان من يسر الدين وجود الرُّخَص، فهذه الرخص نوعان:
رُخص شرعية ثابتة بالكتاب أو السنة؛ كالقصر والجمع في السفر، وأكل الميتة عند الاضطرار، وهذه يستحب الأخذ بها إذا وُجِدَ سببها، وقد يجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ يُحبُّ أن تؤتَى رخَصُه، كما يكرهُ أن تُؤتَى معصيتُه))، وفي لفظٍ: ((كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائمُه)).
جريدة البلاد | الرطب ومرض السكر... لا إفراط ولا تفريط
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: ( « ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرَهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه »)؛ [رواه البخاري ومسلم] ، كما نهى النبي الكريم عن التشدد الذي يسبِّب المشقة للناس، ففي الحديث: (( « ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبَه »))؛ رواه البخاري، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم صحابته لاتِّباع منهج التيسير على الناس، ومنها قوله لمعاذ بن جبل وصاحبه حينما أرسلهما إلى اليمن: (( « يَسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا »))؛ [رواه البخاري]. ويتجلَّى مبدأ التيسير والتخفيف عن العباد في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، فيقول: (( « أتَى رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: هلَكتُ، وقَعتُ على أهلي في رمضان َ، قال: (أعتِقْ رقبةً)، قال: ليس لي، قال: (فصُمْ شهرَينِ متتابعينِ)، قال: لا أستطيعُ، قال: (فأطعِمْ سِتينَ مِسكينًا)، قال: لا أجِدُ، فأُتِيَ بعَرَقٍ فيه تمرٌ - قال إبراهيمُ: العَرَقُ المِكتَلُ - فقال: (أينَ السائلُ؟ تصدَّقْ بها)، قال: على أفقرَ مني، واللهِ ما بينَ لابَتَيها أهلُ بيتٍ أفقرُ منا، فضحِك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بَدَتْ نواجِذُه، قال: فأنتم إذًا »))؛ [رواه البخاري].
• يعتقد أهل الحق والسُّنة، في خروج المهدي الآتي لنصرة السُّنة والحق في آخر الزمان؛ من أشراط الساعة ،فيملك سبع سنين، يملأ الأرض خلالها قسطًا وعدلاً، كما مُلئت قبل مجيئه جورًا وظلمًا، وتُخرج الأرض نباتها، وتُمطر السماء قطرها، ويفيض المال حتى لايقبله أحد. وقد جاءت السُّنة ببيان اسمه وصفته ومكان خروجه، فمن ذلك: 1- أن اسمه (محمد بن عبد الله) على اسم النبي – صلى الله عليه وسلم- لما رواه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( « لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي »)، وفي رواية لأبي داود: " « يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي » ". والحديث قال عنه الترمذي: حسن صحيح، وصححه الشيخان أحمد شاكر والألباني. 2- أن صفته الخَلْقية؛ جاءت في وصف النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله: ( « المهدي مِني أجْلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً، كما مُلئت ظلمًا وجورًا، يملك سبع سنين ») رواه أبو داود والحاكم عن أبي سعيد الخدري، وحسنه الألباني في صحيح الجامع. 3- أنه من نسل فاطمة بنت محمد – رضي الله عنها – من ولد ابنها الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم – فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( « المهدي من عترتي من ولد فاطمة ») رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.