في سورة البقرة نقرأ قوله عز وجل: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} (البقرة:48). ونقرأ أيضاً فيها قوله تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون} (البقرة:123). فنلاحظ أنه سبحانه قدم في الآية الأولى قبول (الشفاعة)، على أخذ (الفدية)، وقدم في الآية الثانية قبول (الفدية) على قبول (الشفاعة)، فهل من ملحظ ما وراء هذا التقديم والتأخر؟ موضوع هذه السطور ينصب حول ذلك.
التكرار ، والتقديم و التأخير في القرآنوتفسير قوله تعالى : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا .. الآية ) - الإسلام سؤال وجواب
ما لكم لا تناصرون. بل هم اليوم مستسلمون أ. هـ. وبهذا يعلم أن الشفاعة المنفية هنا هي شفاعة الكافرين أو الشفاعة في الكافرين. تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا...}. الثاني: أن التكرار في القرآن الكريم يحصل كثيراً وذلك لحكمٍ كثيرةٍ عظيمةٍ قد نعرف بعضها ، ويخفى علينا كثيرٌ منها: -
1- أن كل جملةٍ مكررةٍ يختلف مدلولها ومعناها عن الجملة الأخرى لأنها تتعلق بما ذكر قبلها من كلام الله تعالى ، وبهذا لا يعد ذلك من
التكرار في شيءٍ. فمثلا: قوله تعالى في سورة المرسلات: ويل يومئذ للمكذبين تكررت عشر مرات ، وذلك أن الله تعالى أورد قصصاً مختلفة ، وأتبع كل قصة
بهذا القول فكأنه عقب على كل قصة: " ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة " ، وكل قصة مغايرة للقصة الأخرى فأثبت الوعيد لمن كذب بها. 2- كما أن الله تعالى لا يخالف بين الألفاظ إلا لاختلاف المعاني ، وأن هذا لا يكون إلا لحكمة يعلمها سبحانه ، وقد يطلع عليها بعض خلقه
بما يفتح عليهم من الفهم في كتابه ، وقد يحجبها عنهم ، وهو الحكيم العليم. 3- أن تكرار الكلام يضفي على المعنى الذي تضمنه أهمية ومكانة توجب له عناية خاصة ، ومنها تأكيد المعنى وبقدر ما يحصل التأكيد بقدر ما يدل
على الاهتمام بالأمر والعناية به. ( للاستزادة يراجع قواعد التفسير 2 / 702).
تفسير: (واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة)
اهـ[2]. ﴿ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ﴾ قال الشنقيطي في التفسير بتصرف:
ظاهر هذه الآية عدم قبول الشفاعة مطلقا يوم القيامة، ولكنه بين في مواضع أخر أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة للكفار، والشفاعة لغيرهم بدون إذن رب السماوات والأرض. أما الشفاعة للمؤمنين بإذنه فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. فنص على عدم الشفاعة للكفار بقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) [21 \ 28]، وقد قال: (ولا يرضى لعباده الكفر) [39\7]، وقال تعالى عنهم مقررا له: (فما لنا من شافعين) (26 \ 100). التكرار ، والتقديم و التأخير في القرآنوتفسير قوله تعالى : ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا .. الآية ) - الإسلام سؤال وجواب. ثم قال:
وقال في الشفاعة بدون إذنه: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) [2 \ 255]، وقال: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) [20 \ 109] إلى غير ذلك من الآيات. وادعاء شفعاء عند الله للكفار أو بغير إذنه، من أنواع الكفر به جل وعلا، كما صرح بذلك في قوله: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) [10 \ 18]. ثم نبه -رحمه الله- فقال:
هذا الذي قررناه من أن الشفاعة للكفار مستحيلة شرعا مطلقا، يستثنى منه شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب في نقله من محل من النار إلى محل آخر منها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح، فهذه الصورة التي ذكرنا من تخصيص الكتاب بالسنة.
تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا...}
وقال أهل النار فيما ذكر الله تعالى عنهم: ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴾ [الشعراء: 100، 101]، وقال تعالى: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]. فالشفاعة لا تُقبَل ممن هو ليس أهلًا للشفاعة، كما أنها لا تَنفَعُ من ليس هو أهلًا لها؛ هذه هي الشفاعة المنفيَّة في الآيتين. أما إذا كان الشافع أهلًا للشفاعة، وكان المشفوع له أهلًا لذلك، فهذا مخصوص من الآية بدلالة الكتاب والسنة على ذلك، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ [يونس: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 87]. فيشفع الرسلُ والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويشفع المؤمنون بعضهم لبعض. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّلَ كلُّ نبي دعْوتَه، وإني اختبأتُ دعْوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا)) [5] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((وأُعطيتُ الشفاعة)) [6].