وهذه تكون تفسير الآية:
"فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"، تأويلاً ومعنى عند الجلالين. تفسير: فاتقوا الله ما استطعتم عند السعدي
يأمر سبحانه بالتقوى، وهي امتثال لأوامره، واجتناب محرماته، ويقصر ذلك على القدرة والاستطاعة. وتدل هذه الآية على أن جميع الواجبات الذي يعجز العبد عنها، تسقط عنه. وأنه إذا كان قادرًا على أداء بعض الأوامر، وكان غير قادر على أداء بعضه، فهو يقوم بما قدر عليه. وما عجز عنه يسقط عنه، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (إِذا أَمَرْتكمْ بِأَمْرٍ فَأتوا منه مَا استطعتم). حيث أن القاعدة الشرعية يدخل تحتها من الفروع هذه، ما ليس يدخله تحت الحصر. أيضا قوله "اسمعوا" أي استمعوا إلى العظة التي يعظكم بها الله وإلى أحكامه وشريعته، وأيضاً تطيعوا الله والرسول في كل أموركم. وأيضاً أنفقوا وتصدقوا من النفقات الواجبة الشرعية والمستحبة، وكل هذا خيراً لكم في الآخرة والدنيا. حيث أن الخير كله هو قبول نصائح الله واتباع أوامره وشريعته، والشر هو مخالف تماماً لذلك. فاتقوا اللهَ ما استطعتم. "ومن يوق شح نفسه" أي أنها تشح في المال، وتحب تواجده وتكره امتناعه بشدة.
- فاتقوا اللهَ ما استطعتم
- فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم
فاتقوا اللهَ ما استطعتم
مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 13/12/2017 ميلادي - 25/3/1439 هجري
الزيارات: 11889
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [1]
آية ٌكريمةٌ تُفصِّل وتُبيِّن لنا معنى وفحْوى الفلاح؛ بل وتكشِف لنا سُبُلَه، وما يجب على الإنسان من أعمال تُحقِّق له ذلك، إذًا هي آيةٌ وجب سماعُها وتأمُّلُها وتفصيلُها وتدقيقُ النظر إليها. ففلاحُ الإنسان يتمثَّل في سلامته من الضلال بسَيْرِه على المنهج السليم والصراط السويِّ، الذي يضمُن له الراحة والطُّمَأْنينة والسلام، سواءٌ في حياته الدنيا أو ما بعدها. فاتقوا الله ما استطعتم. إذًا هي آيةٌ تُنيرُ ذهن الإنسان، وتكشِف له حقائقَ هي كامنة فيه، وأقصِد هنا انبثاق عمل الإنسان؛ حيث تدعونا وتُذكِّرنا الآية الكريمة إلى النظر إلى ذلك وعدم الغَفْلة عنه أو تغطيته أو تجاوُزه، فتُفصِّل لنا الآية الكريمة جُملة هذه الأعمال، وهي: التقوى، والسمع والطاعة، والإنفاق والوقاية من شُحِّ النفس. كلُّها أعمالٌ لو تأمَّلْناها أو دقَّقْنا النظر فيها، لوجدنا أنها تدعو الإنسان إلى عدم المعصية وعدم تجاوز أو تغطية ما جُبِل وفُطِر عليه من أخلاقٍ وقِيَمٍ وحقائقَ هي كامنة فيه أصلًا وفِطْرةً، إذًا هي آيةٌ تدعو الإنسان إلى بناء وإقامة أعماله وفق ذلك المنهج الذي يُراعي الحقَّ والدِّين القيِّم الذي يمثِّل فطرة الإنسان وما جُبِل عليه؛ فيكون بذلك عمل الإنسان خالصًا صالحًا سليمًا، ويكون الإنسان بذلك مُفلِحًا فائزًا سواء في الدنيا أو في الآخرة.
فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جامع بن شدّاد، عن الأسود بن هلال، عن ابن مسعود ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) قال: أن يعمد إلى مال غيره فيأكله، وقوله: ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يقول: فهؤلاء الذين وُقُوا شحّ أنفسهم، المُنجحون الذين أدركوا طلباتهم عند ربهم.
ويترتب على هذا الفهم الخاطئ لمعنى الآية، أن يتفاوت التزام المسلمين بالإسلام أداءً لواجباته، واجتنابًا لمحرماته، بحيث يختلف الالتزام بالإسلام وتطبيقه من شخص إلى آخر حسب استطاعته، فكل منهم يقدم صورة خاصة عملية عن أحكام الإسلام، تختلف عن الصور التي يقدمها الآخرون، ويتحول الإسلام -عمليًّا- إلى إسلامات، ويتحول تطبيقه إلى عدة تطبيقات، وتضيع مبادئ الإسلام وأحكامه وسط هذه النماذج والعينات، التي يزعم كل منهم أنه هو على الحق، وأن هذا هو الدين الذي يريده الله. وابحث عن الإسلام الرباني وسط هذه التطبيقات المتفاوتة، التي تعتمد على "الهمة" الميتة، والقدرة العاجزة، والاستطاعة المريضة. فاتقوا الله ما استطعتم بتشكيل مصحف. وحتى يكون فهمنا لمعنى الآية صحيحًا، وتصورنا لقيد الاستطاعة فيها صوابًا، لا بد أن نقرن معها آية أخرى، وهي قول الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ آل عمران: 102]. تأمرنا هاتان الآيتان بتقوى الله، وكل واحدة منهما توضح المراد من الأخرى: فآية آل عمران تأمر بأن نتقي الله حق تقاته. ومعنى (حق تقاته): تقوى حقة صادقة مخلصة جادة، بأن نبذل غاية وسعنا، وأقصى استطاعتنا، في تحقيقها وتحصيلها، وأن نبقى على هذه التقوى طيلة حياتنا، بحيث لا يموت الإنسان منا إلا وهو مسلم.