أما الصحابة -رضي الله عنهم- والذين اتبعوهم بإحسان فما كان لهم أن يغفلوا عن هذا
الأمر العظيم بعقيدة وصبر ويقين، فالصبر قرين اليقين: قال –جل وعلا-:
{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (24) سورة السجدة. ولذلك قال سفيان –رضي الله عنه-: "بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين"! الأمة لن تنال ما تصبو إليه إلا بالصبر على الشدائد والمحن؛ والناس معادن، وعند
الابتلاء يبين المعدن الصافي مما تشوبه الشوائب 11. اللهم أصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا, ووفقنا إلى ما تحب وترضى, وصلى الله على
نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم, ولحمد لله رب العالمين. 1
رواه مسلم -4663- (12/443). 2
رواه أبو داود -2688- (8/338) وصححه الألباني في صحيح
الجامع برقم ( 37). 3
رواه مسلم -4664- (12/444). 4
رواه البيهقي في شعب الإيمان -3434- (20/344) وحسنه
الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (3434). 5
رواه البخاري – 5221
– (17/391). 6
رواه البخاري -1171- (4/472). الصبر في البلاء | الشيخ خالد الحبشي. 7
رواه مسلم -4767- (13/80). 8
خطب مختارة (اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية
والأوقاف والدعوة والإرشاد).
الصبر على البلاء وانتظار الفرج والرزق
فالإنسان ربما يصاب بمصيبة في نفسه أو مصيبة في أهله أو مصيبة في أصحابه أو مصيبة في نواح أخرى، فإذا قابل هذه المصائب بالصبر وانتظار الفرج والأجر من الله، صارت المصائب تكفيرا لسيئاته ورفعة في درجاته، وقد وردت الآيات والأحاديث الكثيرة في ذلك فقال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها). وعن أم العلاء - رضي الله عنها - قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: (أبشري يا أم العلاء؛ فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) رواه أبو داود وصححه الألباني. الصبر في البلاء | الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة).
الصبر على البلاء وانتظار الفرج المستجاب
بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج. وتهوين البلية بعد أيادي المنن وبذكر سوالف النعم. إحداها: ملاحظة حسن الجزاء: وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفف حمل البلاء، لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها، لما يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها. ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة. وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس مولعة بحب العاجل. وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب، ومطالعة الغايات. وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم. وأن من رافق الراحة فارق الراحة. وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة. الصبر على البلاء وانتظار الفرج المستجاب. على قدر أهل العزم تأتي العزائــم *** وتأتي على قدر الكريـم الكرائـم ويكـبر في عين الصـغيـر صـغيرهــا *** وتصغر في عين العظــيم العظائم والقصد: أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك. والثاني: انتظار روح الفرج: يعني راحته ونسيمه ولذته، فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة. ولاسيما عند قوة الرجاء أو القطع بالفرج، فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته: ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل.
الصبر على البلاء وانتظار الفرج للامام
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن إذا ابتلي صبر، وإذا أنعمت عليه شكر، وإذا أذنب
استغفر، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم. الخطبة الثانية:
الحمد لله الحميد في وصفه وفعله، الحكيم في خلقه وأمره، الرحيم في عطائه ومنعه،
المحمود في خفضه ورفعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في كماله وعظمته
ومجده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل مرسل من عنده، اللهم صل وسلم على محمد
وعلى آله وصحبه وجنده 10. أيها المسلمون:
تمر أمتنا الإسلامية اليوم بمحن عظيمة وجراح أليمة؛ ترى جراحها تنزف مرة في القدس
الشريف، ومرة في لبنان، وأخرى في صراعات متوالية في أفغانستان والبوسنة والشيشان
وألبانيا، كل ذلك وغيره شكل جرحاً جديداً للمسلمين. الصبر على البلاء وانتظار الفرج والرزق. ومع هذا يزيد الأمر سوءاً حينما ترى شباباً أغراراً يُحسبون على هذه الصحوة
المباركة يخوضون خوضاً في هذه الجراحات دون علم أو بصيرة؛ فمرة ترى الواحد منهم
يخبر الناس أن هؤلاء يستحقون ما أصابهم، وأن ما جاءهم إنما هو ثمرة لأعمالهم
وسيئاتهم، ومرة تراه يحكم بالحق لهذه الفئة أو تلك، ومرة تراه يائساً قانطاً يقول:
لا فائدة, لقد عملنا ودعونا وفعلنا ولكن …! لقد نسي كثيرون أن الأمة لا زالت بخير والحمد لله, ونسي كثيرون أن هذا الدين يستعصي
على الفناء، وأن سنة الله في الصراع بين الحق والباطل باقية إلى يوم القيامة، أن
هذا الدين كلما قُدّمت له الدماء والأشلاء زادته تمكيناً وثباتاً ورسوخاً.
أما بعد: أيها المؤمنين! فإن أعظم ما يمكن أن تصاب به الأمة أن تفقد خيار رجالاتها، وأهل العلم والمروءة الكاملة فيها، ولقد فجع الأمة عامة وأهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بفقد رجل طال ما وقف في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الله على بصيرة، كذلك نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، فجعت أمة المسلمين بوفاة شيخنا الشيخ: عبد العزيز بن صالح رحمه الله تعالى. ص156 - كتاب سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط - باب الصبر على البلاء - المكتبة الشاملة. وإن في الموت لعبرة لمن يعتبر، ذلك أن الشيخ طالما وقف في المحراب يصلي على أموات المسلمين، ويدعو لهم بالمعفرة والرحمة، وقبل أيام معدودة يقدمه الناس فيصلون عليه، ويدعون له بالمغفرة والرحمة، إنها سنة الله الماضية في الخلق، فسبحان الحي الذي لا يموت، سبحان من يفنى خلقه ويبقى وجهه. رحل ذلك الشيخ بعد أن ترك مآثر خالدة، وترك معالم بينة، بعد أن طوف في محراب رسول الله عليه وسلم أكثر من أربعين عاماً، يتلو كتاب الله جل وعلا. بلد الرسول قباؤه وعقيقه قبر أبر على عظامك حاني يبكيك فيه شيوخه ورجاله عند الصلاة وحين كل أذان يبكيك فيه منائر وأهلة والمنبر الشرقي ذو الأركان أنا لست أبكي فيك شخصا غائبا بل أبكي فيك معاقل الإيمان أبكي الإمامة والخطابة والتقى أبكي القضاء ونبرة القرآن في ذمة الله الكريم وحفظه وظلال خلد وارف وأمان ألا وصلوا وسلموا على أعظم من أصبتم بفقده، على نبي الهدى ورسول الرحمة، فقد أمركم الله بذلك في كتابه إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
تاريخ النشر: الثلاثاء 29 ذو الحجة 1441 هـ - 18-8-2020 م
التقييم:
رقم الفتوى: 426148
6400
0
السؤال
أولًا: أحب أن أشكركم على مجهوداتكم التي تبذلونها لأجل الأمة. أنا شاب أبلغ من العمر 16 سنة، وأمتنع عن مصافحة النساء، ووالدتي تنكر عليَّ هذا، وقد أخبرتها بكل الأحاديث التي سمعتها في هذا الشأن. وبدأ الناس يؤذونني بالكلام. هل يجب أن أطيع والدتي؟
أرجو إفادتي مأجورين -إن شاء الله-. الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يثبتك على الهدى، ومصافحة النساء الأجنبيات محرمة شرعا -سوى العجائز اللائي لا فتنة بهن على خلاف بين أهل العلم في ذلك-، فتحرم عليك طاعة والدتك إذا أمرتك بالمصافحة المحرمة، فقد جاء في الحديث: لا طاعة لبشر في معصية الله. حكم مصافحة المرأة للرجال الأجانب عنها - إسلام ويب - مركز الفتوى. أخرجه أحمد ، وصححه الألباني. وينبغي أن تتطلف مع والدتك، وتترفق في الاعتذار عن الاستجابة لطلبها، واصبر على ما تسمع من أذى الناس لالتزامك بأحكام الشرع، فعاقبة ذلك الرفعة والكرامة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {لقمان:17}.
هل سلام المرأة باليد على الرِجال حرام؟ - خالد عبد المنعم الرفاعي - طريق الإسلام
( ١٣) أخرجه البخاريُّ في « الاستئذان » بابُ تسليمِ الرجال على النساء والنساءِ على الرجال (٦٢٤٩)، ومسلمٌ في « فضائل الصحابة » (٢٤٤٧)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها. ( ١٤) « فتح الباري » لابن حجر (١١/ ٣٣).
حكم مصافحة المرأة للرجال الأجانب عنها - إسلام ويب - مركز الفتوى
أمَّا ما نُقِل عن أبي بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه أنه كان في خلافته يخرج إلى بعض القبائل التي كان مُستَرْضَعًا فيها، فكان يُصافِح العجائزَ، فقَدِ استغربه الزيلعيُّ ـ رحمه الله ـ في « نصب الراية » ( ٦) ، وقال الحافظ ـ رحمه الله ـ في « الدراية »: « لم أجِدْه » ( ٧) ، وأمَّا ما رُوِي عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه كان يُصافِح النساءَ مِنْ تحتِ الثوب فضعيفٌ لا ينتهض للاحتجاج، فضلًا عن مُعارَضتِه بالصحيح مِنَ الأحاديث الصحيحة ( ٨).
وقد وَرَد الوَعيد الشَّديدُ على فاعل ذلك؛ فعن مَعقِل بن يَسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: « لأن يُطْعَن أحدُكم بِمخيَط مِن حَديدٍ خيرٌ له مِن أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له » (أخرجه الطبراني ورجاله ثِقات، وكذا رواه البيهقي). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "والله ما أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم النِّساء قطُّ إلَّا بما أمره الله تعالى، وما مَسَّت كَفُّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كَفُّ امرأةٍ قطُّ". ومن المَعلوم أن المفاسِد المُترتِّبة على اللَّمس والمُصافَحة للنساء الأجنبيَّات كثيرة، فمن ذلك: تَحريك الشَّهوة وضعف أو فقدُ الغَيْرة وذَهاب الحياء ، فإنَّ من مدَّت يدَها لمصافَحَة الرِّجال، فلا تَأمَن أن تَجُرَّها المَصافَحَة إلى الانبساطِ بالحديث وغيره،، والله أعلم. 213
31
1, 357, 832