المحبة والتشاور والنصيحة ترجمت على أرض الواقع إلى فعل بشري يستشرف الوعد ويتهيأ لاستقبال النصر على شكل حركة دؤوبة، وتفكير، وعاطفة جياشة ومبادرة بالاقتراح، وسرعة في التنفيذ والإنجاز، وهذه كلها كانت من أهم سمات الإنسان "البدري" الذي شارك في هذه المواجهة. ما هي نتائج غزوة بدر و ما هي العبرة منها ؟ | مركز الإشعاع الإسلامي. فهذا العمير بن الحمام رضي الله عنه "أخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل" رواه مسلم. إن الله تعالى وعد نبيه والمؤمنين بالنصر والتمكين، والتقى الوعد الرباني بمؤمنين صادقين، صدقوا بموعود الله، واجتهدوا في عالم الأسباب ما وسعهم الجهد، واستسلموا لما يريده الله بهم، بقلوب خاشعة وبإرادة صادقة، وبعزيمة لا تعرف الكلل أو الشك. فاستحقوا بذلك أن ينصرهم الله تعالى، وينزل عليهم الملائكة تقاتل معهم، قال تعالى: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍۢ مِّنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ". استحقاق البدريين للنصر والتأييد، بإنزال الملائكة، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين، كان نتيجة إيمانهم وصدقهم وحبهم لبعضهم البعض، وكان ثمرة من ثمار العلاقات التي تربط بعضهم ببعض كالنصيحة التي تقوم بوادر الخطأ، والشورى التي تشرك الجميع ليتحمل مسؤوليته، انتهاء بالطاعة وهي الترجمة التنفيذية للقرارات والأوامر الصادرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1)
إن دور المهاجرين بمكة تركت مغلقة ليس فيها ساكن، كدار بني مظعون من بني جمح، ودار بني جحش بن رئاب، ودار بني البكير، وقد وجد طغاة مكة في ذلك فرصة لهم في استلاب ما فيها، بل إن أبا سفيان عدا على دار بني جحش فباعها من عمرو بن علقمة، وهكذا كانت أموال المسلمين بعض رأس المال في تجارة قريش، فكان في أخذها استعادة لحق مسلوب، وأيضاً فيه إضعاف للمشركين اقتصادياً. كتب سيرة النبويه الغزوة بدر الكبري - مكتبة نور. ٣- وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وهم قوة في مكان تمر عليه قوافل قريش إلى الشام، ففي ذلك خطر يهدد تجارتهم وحياتهم. ٤- إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - سراياه، وخروجه بنفسه، وخاصة تلك التي أرسلها إلى نخلة بين مكة والطائف، أثارت قريش كثيراً ضده. ٥- أن الأنصار آووا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في المدينة، وفتحوا صدورهم وبلادهم وأموالهم، وهذا أزعج قريشاً؛ لأن في ذلك تمكينًا للخطر الذي تعتقد قريش أنه يهددها ويزيل عاداتها وسلطانها، فرأت أنه لا بد من الوقوف في وجه هذا التجمع الجديد بأي وسيلة، ولذا حنقت أول ما حنقت على الأنصار [2]. روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه حدث عن سعد بن معاذ، وجاء في آخره: فقال أبو جهل لسعد: ألا أراك تطوف بمكة آمنًا وقد آويتم الصباة [3] ، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً.
لقد كانت محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، طاقة معنوية لا تحدها حدود، ولا تحصرها موانع الزمان والمكان، ولا تكدر صفوها هواجس النفس وشهواتها، فهذا سواد بن غزية رضي الله عنه يضرب أروع مثال على حب المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في تنظيم صفوف أصحابه يوم بدر، و "في يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن رسول الله في بطنه بالقدح وقال: "استوِ يا سوادُ بن غزية". قال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحق، فأقدني. قال: فكشف رسول الله عن بطنه، ثم قال: "استقد". قال: فاعتنقه وقبَّل بطنه. فقال: "ما حملك على هذا يا سواد؟" فقال: يا رسول الله، حضر ما ترى فلم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك. فدعا له رسول الله بخير، وقال له خيرا". 22ـ غزوة بدر، وجندي البركة (1). ومع المحبة، هناك عامل آخر يجب الإشارة إليه ونحن بصدد الحديث عن العامل الذاتي، أو الفاعلية الإنسانية المتمثلة في "البدريين" الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لعل الله أن يكون قد اطَّلَع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم» ، وهذا العامل هو ذلك الإيمان الصادق بموعود الله تعالى لهم بالنصر والتمكين، أو الشهادة ودخول الجنة.
كتب سيرة النبويه الغزوة بدر الكبري - مكتبة نور
وقد تأثّر النبي – صلى الله عليه وسلم - من عتاب ربّه له غاية التأثّر ، وتذكر كتب السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – و أبي بكر رضي الله عنه وهما يبكيان ، فقال: يا رسول الله ، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال له: ( أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم -) رواه مسلم. ثم أذن الله سبحانه وتعالى بقبول الفداء ، فجعل الأسرى يفتدون أنفسهم بما يملكون من المال ، فمنهم من كان يدفع أربعة آلاف درهم ، ومنهم من كان يدفع أكثر من ذلك ، أما الذين لم يكونوا يملكون شيئاً فكان فداؤهم تعليم أولاد المسلمين الكتابة. وأرادت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – افتداء زوجها أبي العاص بقلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقّةً شديدة ، وقال لأصحابه: ( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها) فوافقوا على ذلك ، رواه أبو داود. وقد حاول من كان حاضراً أن يشفع في العباس عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ترك أخذ الفداء منه ، وقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه ، فقال لهم: ( والله لا تذرون منه درهماً) رواه البخاري.
وقال تعالى:} كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ { [الأنفال: 5-8]. ثامنا: أن هذه الغزوة المباركة تضمنت الكثير من الدروس والعبر والعظات، وتجسدت فيها الكثير من المعاني العظيمة، والقيم الرفيعة، التي لا غنى للمسلمين عنها في كل عصر وفي كل مصر، وفيها بالنسبة للمسلمين في وقتنا الحاضر الذي منيوا فيه بالهزائم والنكسات على أيدي أعدائهم، أمل كبير، وحافز قوي لتجاوز واقعهم الأليم والتغلب على الصعاب، ومواجهة الهزائم، والانتصار عليها، وفي مقدمتها هزيمتهم النفسية والمعنوية، شريطة إخلاص النية، وصحة العزيمة، والصدق مع الله، ومع النفس، ومع الناس. كما أن غزوة بدر الكبرى فيها أمل للمظلومين والمقهورين من المسلمين وغير المسلمين في إمكانية الانتصار على الظالم الذي ظلمهم وتعدى على حقوقهم، مهما بلغت قوته وسطوته، وذلك إذا ما اتحدت كلمتهم، ووضعوا أيديهم في أيدي بعض، وثبتوا في المطالبة بحقوقهم، واتخذوا كل الوسائل المتاحة أمامهم للدفاع عنها، وتوكلوا على الله حق توكله.
ما هي نتائج غزوة بدر و ما هي العبرة منها ؟ | مركز الإشعاع الإسلامي
ولم ينسَ النبي – صلى الله عليه وسلم – نصيب أناسٍ تخلّفوا عن المعركة لظروفٍ خاصّة ، كان منهم عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، حيث كان يقوم برعاية شؤون زوجته رقيّة رضي الله عنها في مرضها ، وكان منهم أبو لبابة رضي الله عنه الذي أرجعه النبي – صلى الله عليه وسلم – عند خروجه للقتال ، وأوكل إليه أمر المدينة ، ومنهم والحارث بن حاطب رضي الله عنه الذي أرسله النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى بني عمرو بن عوف في مهمّة خاصّة. ثم جاءت القضيّة الثانية ، وهي كيفيّة التعامل مع الأسرى ، فقد استشار النبي – صلى الله عليه وسلم – صحابته في شأنهم ، فكان رأي أبي بكر رضي الله عنه أخذ الفدية من الكفّار ليتقوّى المسلمون بها ، ولعلّ في ترك قتلهم فرصةً للمراجعة والتفكير بالإسلام ، بينما أشار عمر بن الخطّاب وسعد بن معاذ رضي الله عنهما بقتلهم ، لأنهم أئمة الكفر ، وفي التخلّص منهم ضربةٌ قويّة لأهل مكّة ، بل قال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه: " يا رسول الله ، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرمه عليهم نارا ". ومال النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه ، فحسم الخلاف واختار الفدية ، لكنّ الله عز وجل عاتب نبيّه عتاباً شديداً على هذا الاختيار ، وذلك في قوله: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم} ( الأنفال: 67-69) ، والعتاب إنما جاء لقبول النبي – صلى الله عليه وسلم – للفداء في وقتٍ لم تكن فيه الغلبة والظهور لأهل الحقّ ، مما يكون سبباً في ضعف المسلمين ومعاودة خصومهم للقتال ، وهذا لا يصبّ في مصلحة المسلمين.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد ظلوا على غاية من التيقظ والتربص بكل حركة من حركات قريش التجارية والعسكرية. قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم فيها ثلاثون رجلاً من قريش، أو أربعون منهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن العاص بن وائل [6]. روى ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس أنه قال: لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل الله ينفلكموها" فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يلقى حرباً، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفاً على أمر الناس، حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لنا في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة [7].
أنقذته سمعته من الاضطهاد الديني، وذكرت إحدى المراجع إحدى الحوادث التي مرّ بها بسبب ممارسته للتنجيم حيث تعرض للجلد من قبل الخليفة العباسي المستعن بالله (862-866). كان أبو معشر باحثًا في الأحاديث النبوية، ونقل اهتمامه إلى علم الفلك في سن السابعة والأربعين وفقًا لتقاليد السيرة الذاتية. كان أيضًا في نزاع متسمر مع الكندي، وهو الفيلسوف العربي الأول في عصره والذي كان ضليعًا في الأرسطية والأفلاطونية. أبو معشر البلخي .. الفلكي والمنجِّم العظيم | تاريخكم. كانت مواجهته مع الكندي هي التي أقنعت أبو معشر بالحاجة إلى دراسة الرياضيات من أجل فهم الحجج الفلسفية. [6]
يحتوي كتاب النديم على مقتطف من كتاب أبو معشر حول أشكال الجداول الفلكية، ويصف هذا الكتاب كيف جمع الملوك الفرس أفضل مواد الكتابة في العالم للحفاظ على كتبهم في العلوم وإيداعها في قلعة سارويه في مدينة جاي الفارسية في إصفهان. يذكر أمير خسروف أن أبو معشر جاء إلى بيناراس (فاراناسي) ودرس علم الفلك هناك لمدة عشر سنوات. [7] يقال إن أبو معشر قد توفي عن عمر يناهز 98 عامًا في مدينة واسي شرق العراق خلال الليلتين الأخيرتين من رمضان في 9 آذار/مارس في عام 866، ويقول البعض أنه عاش حتى عمر المئة سنة وذلك اعتمادًا على إحصاء السنة الإسلامية.
أبو معشر الفلكي الكبير للرجال والنساء
ويختم أبو معشر قائلاً: "إن زيج الشاه الذي يعمل عليه أصحاب الحساب في هذا الوقت (عهده) كان مدفوناً به، فلم يصله الماء، فاستُخرِجَ من بعدُ وصار أصلاً". تحميل كتاب ابو معشر الفلكي. هرمس هو أول من تكلَّمَ في الأشياء العُلوية، من الحركات النُّجومية، وجدُّه كُيُومَرْث – وهو آدم عليه السَّلام – علَّمه ساعات الليل والنَّهار، وهوَ أوَّلُ من بنى الهياكل، ومجَّدَ الله فيها، وأوَّلُ من نَظَرَ في الطِّب وتكلَّم فيه، وصنَّف لأهل زمانه كتباً كثيرة بأشعار موزونة بلغتهم، في معرفة الآشياء العُلوية والأرضية، وأوَّل من أنذرَ بالطَّوفان؛ ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنَّار. أبو معشر البلخي
أبو معشر البلخي وقصته مع الكندي:-
أورد ابن العبري في كتابه "تاريخ مختصر الدول" ما يفيد بعلاقة البغض التي نشأت بين أبي معشر والفيلسوف العربي يعقوب بن إسحاق الكندي. وقال ابن العبري – المتوفى سنة 1286 م-:" وكان يضاغن أبا يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي ويغري به العامَّة ويُشنِّع عليه بعلوم الفلسفة، فدسَّ عليه الكندي من حسَّن لهُ النظر في علم الحساب والهندسة، فدخل في ذلك فلم يُكمل له، فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شرُّهُ عن الكندي". أبو معشر البلخي، سماته:-
تعلَّم أحكام النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره.
يُقال: إن أبا معشر توفِّيَ وهو في الثامنة والتسعين من العمر (ومائة عام بحسب التقويم الهجري) في مدينة واسط العراقية خلال آخر ليلتين من رمضان عام 272 هـ (مارس 866م). اقرأ هنا تقي الدين الدمشقي.. المهندس الميكانيكي ورائد الفلك
المصدر:-