تعرفنا في رحلتنا إلى مجموعة من الأدلة على وجود الله تعالى وكماله؛ لنصل الآن إلى مقالةٍ ختاميةٍ تعرض بعض الإشارات المهمة المكمّلة لِتصوراتنا حول الإيمان بالله تعالى. تعدد أنواع الأدلة وتعدد أمثلة كل نوع. لاحظنا تعدّد أنواع الأدلّة، ولمسنا قوة كل دليلٍ في ذاته، وكذلك تعدد أنواع الأدلة، فقد مررنا على دلالة الخلق وما فيه من الإتقان والإحكام، ورأينا كيف أنّ الله تعالى أودع الدلائل عليه في حياتنا ووعينا وتعقّلنا وما فطرنا عليه من المعاني والقيم والإرادات، ووقفنا على دلالات عظيمة متتابعة في الجمال والغرائز، واستشعرنا فطرية التدين الأصيلة في نفوس البشر، وسبحان الذي نوّع الآيات على عظمته لتستبين سبيله جلّ وعلا. وإن الواقف مع طبيعة هذه الأدلة سيجد أنّها أنواع يتضمّن كلّ منها الكثير من الأمثلة، بل قد تكون الأمثلة غير قابلة للحصر. فدليل الخلق والإيجاد يبرز لك في كل مخلوق، كما قال الشاعر: وفي كل شيء له آية * تدل على أنّه واحد ودليل الإحكام يبرز في كل ما يقع تحت الحواس لو أعملنا فيه أدنى قدر من التأمل، فتظهر دقة الصنعة وحكمة الصانع. ودليل الحياة يأخذ بمجامع قلبك لو نظرت لأصغر كائن ذو خلية واحدة، فضلا عن الكائنات الأخرى بما فيها من مليارات الخلايا والأنسجة والأعضاء المتكاملة.
من الأدلة على وجود الله والذاكرات
تاريخ النشر: الأربعاء 10 رمضان 1434 هـ - 17-7-2013 م
التقييم:
رقم الفتوى: 213790
16862
0
313
السؤال
ماذا كتب الأولون والمعاصرون في الأدلة على وجود الله؟ وهل بلغ عدد الأدلة 6؟ وما هي أفضل المصنفات؟ وكيف سيرد الملحدون؟. الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدلائل وجود الله تعالى أكثر من أن تحصى، ففي كل مخلوق من خلقه دلالة على وجود الله، وتأمل قول الله تعالى:
1ـ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِ ينَ {الأنعام:75}. 2ـ وقول الله تعالى في الآية رقم: 259 ـ في سورة البقرة بعد أن ذكر قصة الرجل الذي مر على القرية: فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {البقرة:259}. 3ـ وقول الله تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ { يونس:101}.
من الأدلة على وجود الله عليه
وهكذا نجد الأمر في كل دليل، وهذا لا شك يعظّم من أثر هذه الأدلة في نفوسنا من الإيمان بالله تعالى ومحبته والانقياد له وإخلاص العبودية له سبحانه. ما الذي يلزم لتحصل اليقين؟ إن أدلة وجود الله فطرية ثابتة في النفس، ولا نعني بذلك فطرية الإقرار بوجود الله والخضوع له كما بيّنا في دليل أصالة التدين فحسب، بل إنّ الأدلة العقلية نفسها مبنية على قواعد فطرية وعقلية أولية مثل قاعدة السببية. وبناء على ذلك، فإنّ اليقين بوجود الله تعالى لا يتطلّب في العموم معرفة كل الأدلة التي يمكن أن تصاغ للاستدلال على ذلك، بل إنّ الأمر لا يحتاج أكثر مما يحصل لكل إنسان من الإيمان الفطري، والتفكّر في خلق الله وآياته وما دلت عليه من كماله سبحانه، فذلك من أعظم أسباب اليقين، فكيف إذا أضيف إلى ذلك قراءة آياته المنزلة في القرآن وهي التي تحوي أعظم الحجج الفطرية والعقلية، وكيف إذا تكلّل ذلك بالاستقامة على أوامره سبحانه والالتزام بأحكامه وتشريعاته، فزاد بذلك إيمان العبد بالطاعات وزاده الله من هداه كما وعد في كتابه { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}. فالغرض مما قدّمناه في هذا المحور هو لفت الأنظار إلى الآيات الكثيرة الدالة على الله تعالى وكماله، لا أنّنا ابتكرنا شيئاً لم نسبق إليه، وقد نكون قد عمّقنا في بعض صياغات الحجج وفرّعنا فيها، ولهذا التعميق فوائده، لكنّنا لا نقول بأنّ اليقين لا يحصل إلا بمعرفة هذه الصيغ المعينة في الاستدلال، لكن قد ينتفع بها بعض الناس وتؤثّر فيه.
من الأدلة على وجود الله العنزي
كما أنّ الأنظمة العجيبة المعقدة الحاكمة في وجود البشر وتكوينه وخلقته منذ نشوئه في رحم الأُم حتى موته أدلة وآيات أنفسية على وجود الله سبحانه. والنظر إلى هذه الدلائل والآيات في الآفاق والأنفس يقود كلّ عاقل منصف إلى الإذعان بوجود الله، والاعتراف به. وهذا هو ما تقصده الآية المطروحة هنا. إلى هنا تم الاستدلال بصدر الآية على وجوده سبحانه عن طريق آياته الآفاقية، الأنفسية، وبقي الكلام في ذيل الآية، أعني قوله: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فيمكن أن يكون إشارة إلى برهان آخر تسمّيه الفلاسفة ببرهان "الصديقين".
ومن الشواهد العلمية على حدوث الكون أيضا نظرية الانفجار العظيم وثبوت اتساع الكون، وهي تشير إلى أن العالم قد خرج إلى الوجود نتيجة انفجار كبير منذ ما يقارب 15 ألف مليون سنة. أي أنه كان عدما من قبل ثم ترجح وجوده على عدمه، ولا يترجح شيء على شيء بدون مرجح. وقد أثبت هذان الدليلان بما لا يدع مجالا للشك عند أي عالم من العلماء - مؤمنا كان أم ملحدًا - بأن الكون حادث من العدم بعد أن لم يكن. المقدمة الثانية: الحادث لا بد له من مُحدث
المراد بها أن أي فعل يحدث في الوجود لا بد له من فاعل يقوم به ويؤثر في وجوده، لأنه يستحيل في المعدوم أن يُحدث نفسه أو أن يقع بغير فاعل. ومبدأ السببية هذا مبدأ عقلي ضروري من أوضح القوانين العقلية البديهية التي يخضع لها البشر في تعاملاتهم الحياتية، كالعلم بأن الجزء أقل من الكل. فإذا كان لابد أنه حادث بفعل فاعل، فمن هو هذا الفاعل؟ والجواب لا يخرج عن خيارين:
إما أن الكون قد أوجد نفسه بنفسه، وهذا مستحيل لثلاثة أمور:
يلزم من ذلك تقدم الكون على نفسه ومن المستحيل وجود الفعل قبل الفاعل. فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه لنفسه ولا لغيره. لأن الشيء الممكن (المخلوق) في حال عدمه يتساوى في حقه الوجود والعدم، وترجيح أحد الاحتمالين لا بد له من مرجح.