الصفحة الرئیسیة کلام و العقائد
362
نفر
0
لم يترك الإسلام أمراً من أمور الحياة الإنسانيّة، أيّاً كان، إلاّ ووجّه فيه كلمتَه وموعظته، وأبان فيه مواقعَ الخيرِ والشرّ، والصوابِ والخطأ، وصَحَّح وأرشد؛ كي يمضيَ الإنسان على طريق الحقّ والهدى والنور، سعيداً في الدنيا مَرْضيّاً في الآخرة. والنوم، أمرٌ حياتيّ من جملة الأمور المهمّة في عمر المرء وحياته، بل وفي وفاته وآخرته، أفَتَرى أنّ الإسلام لا يُعطي فيه رأيه، ولا يُسدي مقولته ؟! وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا. لقد أراد الإسلام للناس أن يعيشوا حياةً هانئةً تتوازن فيها الحاجات مع الجهود والأعمال، فتُقضى بانتظامٍ دون أن يكون هناك طغيانٌ أو خللٌ أو ارتباك، لذا كَرِه للإنسان أن يَسهَر مُرهِقاً بالسهر جسمه في حالةٍ من عناءٍ غير نافع، يعقبه تضييعٌ للحقوق والواجبات والمهمّات، كما كَرِه الإسلام للمرء النومَ الطويل الذي يصيب النفس بحالة الخمول والكسل والتأخّر عن أداء الفرائض الشرعيّة. • قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا سَهَرَ إلاّ في ثلاث: مُتهجّدٍ بالقرآن، وفي طلب العلم، أو عروسٍ تُهدى إلى زوجها ». • وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « لا بأسَ بالسَّهَر في الفقه ». * * * أجل.. فالسهر يعني أمرَينِ واضحين: إنفاقَ الوقت، وبذل الجهد، فما لم يكن هذا السهر في طاعة الله تبارك وتعالى فلا خيرَ فيه، بل الخير حينئذٍ في أن ينام المرء ينوي بنومه أن يُريح بدنَه وفكره ونفسه من الأتعاب، لينهضَ بعد ذلك مواصلاً سيرَه نحو الهدف الأسمى وهو طاعة الله جلّ شأنه وطلب مرضاته، ساعياً في اغتنام العلم، أو نوال الرزق، أو خدمة الدين ونفع المسلمين، وإعمار الأرض بالعمل النافع المفيد وبذكر الله جلّ وعلا.
- وجعلنا الليل لباسا
- وجعلنا الليل لباسا - YouTube
وجعلنا الليل لباسا
واللباس هو الشيء الذي يرتديه المرأ ليستتر فيه، فشبه الله تعالى الليل باللباس لأن الإنسان يتستر فيه ويسترح من الأتعاب التي يواجهها طوال اليوم. أما كلمة معاشاً، فهو في إشارة من الله تعالى لأهمية العمل أثناء النهار، ففي بداية اليوم تنشط طاقة الإنسان ويبدأ في إنجاز المهام المختلفة لقضاء حوائجه، فالنهار هو السبيل إلى العمل والمعيشة وبذل الطاقة والمجهود، والليل هو الوسيلة للراحة والاسترخاء من الجهد التي تم بذله طوال اليوم. وجعلنا الليل لباسا - YouTube. معنى معاشا في المعجم
في معجم كلمات القرآن فإن كلمة معاشاً تعني الوقت الذي تحصلون فيه على الأشياء التي تساعدكم على العيش. وفي معجم لسان العرب فإن العيش هو الحياة. وفي القاموس المحيط فإن معاشاً هو كل ما يعيش به الإنسان في حياته. معنى لباسا في المعجم
في معجم كلمات القرآن الكريم، فاللباس هو ما يتستر به الإنسان، وقد ورد في القرآن وصف الليل باللباس لأنه يستر الناس بظلامه. وفي معجم لسان العرب فاللباس هو كل ما يوضع على البدن ويُلبس، مثل الثياب.
وجعلنا الليل لباسا - Youtube
سورة و جعلنا الليل لباسا
قوله تعالى و جعلنا الليل لباسا قال القفال اصل اللباس هو الشيء الذي يلبسة الانسان و يتغطي به، فيصبح هذا مغطيا له، فلما كان الليل يغشي الناس بظلمتة فيغطيهم جعل لباسا لهم، [ ص: 8] و ذلك السبت، سمى الليل لباسا على و جة المجاز، والمراد كون الليل ساترا لهم. واما و جة النعمة فذلك، فهو ان ظلمة الليل تستر الانسان عن العيون اذا اراد هربا من عدو، او بياتا له، او اخفاء ما لا يحب الانسان اطلاع غيرة عليه، قال المتنبى
وكم لظلام الليل عندي من يد تخبر ان المانوية تكذب
وكذلك فكما ان الانسان بسبب اللباس يزداد جمالة و تتكامل قوتة و يندفع عنه اذي الحر و البرد، فكذا لباس الليل بسبب ما يحصل به من النوم يزيد فجمال الانسان، وفى طراوة اعضائة ، وفى تكامل قواة الحسية و الحركية، ويندفع عنه اذي التعب الجسماني، واذي الافكار الموحشة النفسانية، فان المريض اذا نام بالليل و جد الخفة العظيمة. وسادسها قوله تعالى و جعلنا النهار معاشا فالمعاش و جهان
احدهما انه مصدر، يقال عاش يعيش عيشا و معاشا و معيشة و عيشة، وعلي ذلك التقدير فلا بد به من اضمار، والمعني و جعلنا النهار وقت المعاش. وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا تفسير. والثاني ان يصبح معاشا مفعلا و ظرفا للتعيش، وعلي ذلك لا حاجة الى الاضمار، ومعني كون النهار معاشا ان الخلق انما يمكنهم التقلب فحوائجهم و مكاسبهم فالنهار لا فالليل.
لمساتٌ بيانيَّةٌ في الآية
ورد في الآية الكريمة العديد من اللمسات البيانيّة، وفيما يأتي إشارةٌ إلى بعضها:
تشبيهٌ بديعٌ من بدائع البيان القرآنيّ، وهو من قبيل الاستعارة، ووجه ذلك: شبّه الله سواد الليل أو ظلامه باللباس فالمشبه هو: سواد الليل، والمشبّه به: اللباس، أمّا وجه الشبه وهو الأهمّ؛ لأنّ فيه تنكشف النكتة البلاغية: فهو الستر؛ لأنّ الليل يستر كلّ الأشياء التي يكشفها النهار، وهي دعوةٌ إلهيَّةٌ إلى ترك التقلّب والحركة والميل إلى السكن والدعة والرجوع إلى الأهل والمنزل. [٨]
يخاطب الله -تعالى- المؤمنين بصيغة الجمع؛ فيقول: ( وَجَعَلْنَا) ، ولم يقل وجعلت وذلك للتعظيم. وجعلنا الليل لباسا. [٩] وردت لفظة لباسٍ في آياتٍ أخرى نذكر منها قوله -تعالى-: ( وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ) ، [١٠] وما أحوج الإنسان وقد اختفى عن أعين الناس في الليل، ولم يعد يراه أحدٌ أن يستشعر مراقبة الله -تعالى- له، فيتّقي من عذابه باجتناب المعاصي وفعل كلّ ما يتقرّب به إلى الله، كقيام الليل، والدعاء، والاستغفار، والمناجاة، والبكاء بين يدي العزيز الجبار سبحانه. ومن نعم الله -تعالى- على الإنسان أن جعل له الليل لباسًا؛ ليسكن فيه ويرتاح، فعلى الضدّ من الآية التالية في السورة، وهي: ( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) ، والتي تبيّن أنّ الإنسان في النهار يسعى لرزقه ومعاشه، جاءت هذه الآية لتبيّن المقصد من وجود الليل؛ وهو السكن والراحة والهدوء، حيث يغشى الليل الأرض، ويغطيها ويستر كلّ ما فيها بهدوءٍ.